“حياة بى “فيلم وحيد نوعه درة بين الأفلام

الأفلام التى يكتب لها البقاء دوماً فى الذاكرة، حيث يتم الاسترجاع لها على شاشتها، من حين لآخر.. أقل من القليل، وأرجح الظن أن «حياة بى» من ذلك النوع النادر من الأفلام، فموضوعه مأخوذ من رواية للأديب «يان مارتل»، ما إن نشرت قبل عشرة أعوام، حتى لقيت إقبالاً من الجمهور، على نحو وصل بالنسخ المبيعة منها إلى بضعة ملايين، الأمر الذى حدا بأحد استديوهات هوليوود الكبرى إلى الإسراع بشراء حق ترجمتها إلى لغة السينما، غير أنه سرعان ما تبين لذلك الاستديو أنها رواية عصية على الترجمة إلى لغة العصر.

فكلما عرضت على أكثر من مخرج مشهود له بالقدرة على تطويع الأعمال الأدبية الصعبة، بحيث تصبح عملاً سينمائياً مقبولاً من جمهور المتفرجين، وحاول ذلك جاهداً، إلا أنه بعد حين، كان يجد نفسه عاجزاً عن إتمام المهمة، ولا مناص من الاعتذار والانسحاب.
pi

وهكذابقيت «حياة بى» سنوات.. وسنوات، فى انتظار المخرج القادر، الذى يرى نفسه أهلاً للقيام بتلك المهمة الصعبة، بل تكاد تكون شبه مستحيلة.

وبعد طول انتظار، أبدى المخرج «انج لى» استعداداً، بل حماساً لإخراج فيلم مستوحى موضوعه من تلك الرواية التى استعصى إخراجها على أكثر من صانع أفلام والسؤال من هو «انج لى» هذا، الذى استطاع غير آبه بالمخاطر، أن يخرج فيلماً، عجز سينمائيون كبار، لهم نفس قامته، عن أن يكملوا المشوار، فيبدعوا فيلماً مأخوذاً عن تلك الرواية؟

«انج لى» مخرج من أصول تايوانية «أى صينى من جزيرة تايوان»، يملك رصيداً سينمائياً، قبل «حياة بى»، مكوناً من ثلاثة عشر فيلماً، وعن أحدها «جبل بروكباك» فاز بجائزة أوسكار أفضل مخرج وبفضل رصيده السينمائى هذا، ذاع صيته شرقاً وغرباً، ومع ذلك، فهو غير معروف، فى ربوع مصر، إلا لفئة قليلة من المولعين بفن السينما.. لماذا؟ لأن جميع أفلامه، فيما عدا «النمر المتوثب والتنين الخفى» لم تتح لهما فرصة العرض بالعام، لسبب أو لآخر عندنا، فى ربوع مصر، وأياً ما كان الأمر، فبطولة فيلم «حياة بى» تنحصر ويا للعجب، فى اثنين، أحدهما «بين باتل» ويعرف طوال أحداث الفيلم باسم «بى» وهو شاب هندى ويؤدى دوره «سوراچ شارما» فى أول ظهور له على الشاشة البيضاء.

والآخر نمر بنغالى شديد الافتراس، له اسم «ريتشارد باركر»، كينى الإنسان والاثنان كان يجمعهما فى بداية الفيلم، مكان واحد، حديقة حيوان صغيرة بالهند، يمتلكها أبو «بى» وفى تلك الحديقة، وما حولها، اكتشف «بى» الحب والأديب الروسى «دستيفسكى» والتحاور مع أبيه، فى كل ما يتصل بالعقائد والأديان السماوية وغيرها من الأديان.

وفجأة، وجد «بى» نفسه طريد ذلك النعيم المقيم، مع بعض حيوانات الحديقة، وأفراد أسرته، تزدحم بهم جميعاً سفينة شحن يابانية، متجهة إلى كندا، التى قرر رب الأسرة الهجرة إليها، بعد أن ضاق عليه الخناق اقتصادياً، فى بلاد تركب الأفيال غير أن الأقدار شادت لهم مصيراً آخر هبت ريحاً صرصراً عاتية، أغرقت السفينة بمن عليها، إلا أن النجاة كتبت لـ«بى»، والنمر، وعدد قليل من حيوانات أخرى، فإذا بهم يجمعهم قارب نجاة واحد، وسط محيط متقلب، غاضب حيناً وهادئ حيناً آخر، وسرعان ما يبدأ الصراع من أجل الحياة، بين المقيمين فى القارب، لينتهى ببقاء الأصلح «بى» والنمر شديد الافتراس، وعلى مدى أكثر من مائتى يوم، ومع اشتددا الصراع بين الاثنين.

اعتاد النمر، شيئاً فشيئاً على تغيير اعتقاده بأنه فى وسعه أن يتحكم فى كل الفضاء المحيط به، وذلك تمت تأثير ترويض «بى» له، وتدريبه على نحو يعيد معه التفكير فى ذلك الافتراض، أما كيف أقنعه «بى» بأنه ليس مجرد فريسة يلتهمها وقتما يشاء، وإنما كائناً مثله، له حق الحياة معه، فذلك ما حكاه سرد سينمائى شائق، فيه من السحر الشىء الكثير.