عنصرية بالمقلوب وتاريخ مضروب

بدءا من «مخزن الكلاب»، ذلك الفيلم الذي بدأ به المخرج الأمريكي «كوينتين تارانتينو» مشواره السينمائي الممتد زمنيا، حتي يومنا هذا.

ولا فيلم له إلا ويثير زوابع من الفرقة والخلف فيما بين جمع متحمس للفيلم الجديد أشد حماساً، وجمع آخر معاد له أشد عداء.

والسؤال الملح لماذا ظاهرة الفرقة والخلف هذه بدءا من أول فيلم أخرجه «تارانتينو».

والإجابة عن السؤال تنحصر في أن فيلمه الأول «مخزن الكلاب» كان صادما لجميع مشاهديه بما انطوي عليه من كم عنف مجاني، علي نحو غير معتاد، حتي في أكثر الأفلام اتجارا بالعنف مثل بعض أفلام الغرب الأمريكي، وبخاصة ما كان منها متصلا بذلك النوع الإيطالي المسمي بأفلام الغرب الأسباجيتي، ومن بينها أذكر «حفنة من الدولارات» و«من أجل حفنة أكبر من الدولارات» و«الطيب والشرير والقبيح» ولكن غلو «تارانتينو» في استعمال العنف في فيلمه الأول فاق استعمال غيره له.

«فمخزن الكلاب» لا ينتهي إلا وجميع شخوصه قد سقطوا قتلي بفعل رصاصات انطلقت من فوهات غدارات وجثثهم متناثرة أشلاؤها، وسط نزيف من الدماء، واللافت في أفلامه اللاحقة، هو استمرار ذلك النوع من العنف غير المألوف، سائدا، في جميع أفلامه اللاحقة، دون أي استثناء.

وعلاوة علي ذلك، أضاف إلي العنف في فيلمه قبل الأخير «أوغاد بلا أمجاد» (2010)، شيئا آخر خارجاً عن المألوف هو تغيير التاريخ، بحيث يتفق مع حبكة الفيلم.
inglourious-basterds-

فمعروف تاريخيا، انه ما إن تأكد «هتلر» من ان هزيمة ألمانيا أصبحت أمرا مقضيا، حتي حسم أمره، هو وعشيقته «ايثابراون» المقيمة مع في المخبأ الحصين بالعاصمة برلين، بأن قررا التخلص من الحياة بالانتحار.

وكذلك كان الأمر بالنسبة للدكتور جوبلز وزير الإعلام في ألمانيا النازية، فهو وزوجته «مجدا جوبلز»، انتحرا بعد ان قتلت «مجدا» أولادهما الستة بالسم الزعاف ولكن «تارانتينو»، يضرب بالتاريخ عرض الحائط، فهتلر في فيلمه يغتال، هو وجميع قادة الطغمة النازية الحاكمة في تفجير بإحدي دور السينما بالعاصمة باريس التي كانت محتلة حينذاك!!

ونفس ذلك التغيير، وإن كان بدرجة أقل، استحدثه «تارانتينو» في فيلمه الأخير «جانجو.. حرّا».

فهو ولئن اختار لفيلمه هذا، ان تبدأ أحداثه قبل اندلاع نيران الحرب الأهلية الأمريكية، بسنتين إلا ان الفيلم جاء خاليا من أية إشارة إلي الصراع السياسي الذي كان محتدما. داخل أروقة الكونجرس الأمريكي، وخارجها، بطول وعرض البلاد.

بل وآثر، كعهدنا به، ان يسلط الضوء علي الاضطهاد العنصري الجسدي، للسود، شتي صوره البغيضة، وأشكاله العنيفة، المثيرة للاشمئزاز.

ولم ينس مقاومة السود لذلك الاضطهاد، فسلط الضوء عليها هي الأخري، علي نحو غير مسبوق في تاريخ سينما هوليوود.

وكالمعتاد في أفلامه جاء «جانجو.. حرّا» مليئا بمشاهد فيها الشيء الكثير من الغلو في تعذيب السود وقتل البيض بالجملة، انتقاما.

«فجانجو» بطل الفيلم، ويؤدي دوره الممثل الأسود «جيمي فوكس» يحصد أرواح البيض، كالجراد، أثناء بحثه عن زوجته التي بيعت في سوق النخاسة.

ويشاركه في حصد الأرواح طبيب أسنان ألماني، ويؤدي دوره الممثل النمساوي البارع «كريستوف فالسي».

وكأن صاحب الفيلم يريد بغلو الاثنين في القتل أن يقول إن قتل البيض كالأغنام حلال، مثلما كان قتل وتعذيب السود، في نظر غلاة العنصريين، هو الآخر حلالاً!!