عما جري يوم الهول في أمريكا

استرعي انتباهي وأنا أتصفح العدد الأخير من المجلة الشهرية الأمريكية «السياسة الخارجية» عنوان مقال عما جري يوم الحادي عشر من سبتمبر قبل عقد كامل من عمر الزمان.

وكان من بين ما أشار إليه العنوان وجاء تفصيلاً في ذلك المقال أن ستوديوهات هوليوود لم تنتج حتي يومنا هذا فيلماً ذا قيمة عما جري في ذلك الوقت من أحداث جسام، جوهرها اختطاف طائرات مدنية، بركابها الأبرياء والاصطدام بها في مبان ترمز إلي قوة وثراء الولايات المتحدة.
united-93

وفيما يبدو من ظاهر المقال أن صاحبه اكتفي بحصر ما جري أثناء يوم الهول هذا، فيما حدث من دمار شامل لواحد من أهم معالم مدينة نيويورك وتحديداً جزيرة مانهاتن، وذلك الحصر يعيبه ولا شك إغفال صاحب المقال لحدثين آخرين، لا يقل كلاهما في الأهمية عما حدث في مانهاتن، فاختطاف الطائرات في ذلك اليوم الفارق في تاريخ الحضارة الإنسانية لم يقتصر علي الطائرتين اللتين توجه بهما المختطفون إلي حي مانهاتن، حيث نجحوا في تدمير مبني مركز التجارة العالمي، «البرجان التوأم» علي النحو الذي رأيناه وقت وقوعه لحظة بلحظة، عبر البث التليفزيوني المباشر.

ذلك أنه كان ثمة اختطاف آخر لطائرتين جاء مواكباً لاختطاف الطائرتين اللتين دمرتا البرجين التوأم إحداهما توجه بها مختطفوها إلي مبني وزارة الدفاع الضخم، المعروف تحت اسم «البنتاجون»، حيث نجحوا في تدمير أحد أجنحته بنفس الوسيلة التي تم بها تدمير برجي مانهاتن.

والأخري كان مقدراً لها أن يتوجه بها مختطفوها – في أرجح الظن – إلي مبني الكونجرس الأمريكي «الكابيتول» لتدميره ولكنهم لم ينجحوا في تحقيق مخططهم هذا، ويرجع لفشلهم وهو الفشل الوحيد الذي واجهه مخططون اختطاف الطائرات، في ذلك اليوم التالي، يرجع إلي أن ركاب الطائرة «يونيتد 93» المختطفة وصل إلي علمهم خبراً تدمير برجي مانهاتن وأحد أجنحة مبني البنتاجون، فتأكد لهم علي وجه اليقين أن غرض مختطفي طائرتهم المتجهين بها إلي العاصمة واشنطن ليس كالمعتاد في حالات الاختطاف الحصول علي مبلغ من المال أو الإفراج عن بعض المسجونين السياسيين، أو تحقيق بعض المطالب السياسية المعتذر تحقيقها بوسائل سلمية.

وإنما لهم غرض آخر، هو الاصطدام بالطائرة ومن فيها، بأحد المباني المهمة بالعاصمة، أسوة بما فعله مختطفو الطائرات الثلاث الأخري.

ومن هنا تمردهم علي مختطفي الطائرة ومحاولة تغيير مسارها، والعودة بها إلي إحدي المطارات.. غير أنه لم يصادفهم النجاح، فيما سعوا إليه وتهاوت بهم الطائرة أرضاً في أحد حقول ولاية بنسلفانيا، حيث لقي الجميع مصرعهم ركاباً ومختطفين.

وعن مأساة ركاب هذه الطائرة «يونيتد 93» ولا أقول ملحمتهم، أبدع المخرج الإنجليزي «بول جرينجراس» فيلمه «يونيتد 93» بعد ملحمة التمرد والموت بخمس سنوات.

وكانت الإشادة بالفيلم منقطعة النظير، حيث انتهي به الأمر مرشحاً لجائزتي أوسكار أفضل مخرج، وأفضل توليف «مونتاج».. فضلاً عن ترشيحه للعديد من جوائز بافتا «الأكاديمية البريطانية للفيلم والتليفزيون» وفوزه من بينها بثلاث جوائز أفضل تأليف وإخراج جائزة دافيد لين وأفضل فيلم إلكسندر كوردا.

ودون نظر لما رشح له من جوائز، ولما فاز به، فالفيلم والحق يقال، تحفة من بين الأفلام التي عرضت ليوم الهول وأحداثه الجسام، فكلها تهون وتشحب بجانبه.

فيلم آية في الاتقان، تكفي مشاهدته ولو مرة واحدة للوصول إلي معرفة ما حدث بدءاً من فجر يوم دام، حتي لحظة سقوط الطائرة يعقبها إظلام.