قصة سقوط وصعود

اعتراني الذهول وأنا اقرأ في جريدة ذات جلال في كل العهود عنواناً جرت كلماته على الوجه الآتي “شفرة داڤنشي”.. مرفوض مرفوض!

وتفسيراً له جاء تحته أن لجنة الثقافة والاعلام والسياحة بمجلس الشورى أكدت ضرورة حظر عرض الفيلم الامريكي “شفرة داڤنشي” داخل دور العرض المصرية لما به من الكثير من الافتراءات والأكاذيب عن السيد المسيح. ومما خفف من وضع العنوان البائس والتفسير له الأكثر بؤساً، ما قرأته في مجلة هي الأخرى ذات جلال، وحاصله أن الكنيسة المصرية اتخذت موقفاً مستقلاً ورزيناً يخلص في أنها قررت عدم المطالبة بمنع الفيلم، وفي نفس الوقت تقديم النصح إلى رعاياها بعدم مشاهدته.

انزعاج فانشراح

ومثلما اعتراني الذهول عند قراءة العنوان البائس وجدتني مذهولاً وأنا أشاهد “أوقات فراغ” أول فيلم روائي طويل يخرجه “محمد مصطفى” ذلك الفنان الذي ظل يعمل مساعد مخرج زهاء ربع قرن من عمر الزمان.

ولم يكن ذهولي مرده الانزعاج، وإنما الدهشة الممزوجة بالانشراح.

فمؤلف السيناريو المستمد منه الفيلم واسمه “عمر جمال” ليس له من العمر سوى عشرين عاماً أو أقل قليلاً، وكذلك حال أبطال الفيلم أحمد حاتم وعمروعابد وكريم قاسم وأحمد حداد، كلهم من نفس السن كلهم لم يسبق لهم الوقوف أمام الكاميرا.

ومع ذلك قدم السيناريو المعاني التي يدور حولها الفيلم بجلاء ومنطق واضح يترتب لاحقه على سابقه وأدى الأبطال الأربعة أدوارهم بإتقان منقطع النظير. وكم كان مذهلاً أن نراهم على الشاشة بوجوههم الصافية، الجذابة، وملامحهم القلقة وعيونهم الحادة الضاحكة وهم يصورون شقاوة الأولاد المحرومين من الحنان ومعاناتهم من الفراغ.

حسن الأداء

ولايفوتني هنا أن أشيد بأداء راندا البحيري وصفاء، الأولى في دور “منة” الفتاه التي يفقدها عذريتها “حازم” الفتى الثري الطائش ويؤدي دوره أحمد حاتم.

والثانية في دور “مي” الفتاة العاقلة التي تعامل “أحمد” الفتى الضائع المدمن ويؤدي دوره عمرعابد – وكأنه ابن قابل للصلاح، وإذا ما اكتشفت أنه لايزال سادراً في غيه، حسمت الأمر بقطع كل صلة به.

عناية بالتفاصيل

ومن بين مزايا الفيلم الأخرى أن مخرجه عرف كيف ينقل إلينا خلال التفاصيل جو الحياة التي يعيشها شباب أفقده الفراغ والانحراف الجنسي وتعاطي المخدرات أي شعور بالمسئولية والانتماء، وباعد بينه وبين أي شكل من أشكال الالتزام.

حلقة مفرغة

يبقى لي أن أقول أنه كما بدأ الفيلم في فاتحته بالأصدقاء الثلاثة حازم وأحمد وعمرو و”كريم قاسم” هم في حالة ضياع، انتهى بهم في خاتمته وهم أكثر ضياعاً داخل مقصوره في مرجيحة بالملاهي، انقطعت عنها الكهرباء معلقين بين الأرض والسماء، يستنجدون ولا أحد يجيب سوى كلمات للشاعر عبد الرحمن الأبنودي عن حال دنيا دواره، ليس لها أمان يشدو بها المغني “مروان خوري”.

ومع هذه الخاتمة المفتوحة ينتهي فيلم شيق به قد تعود الروح إلى السينما المصرية!!