محنة السفارة الأمريكية بطهران وحكاية الهروب من الجحيم

فيلم «آرجو» ثالث الأفلام التى أبدعها خيال «بن أفليك» بوصفه مخرجاً، فهو بدأ مشواره السينمائى فائزاً بجائزة أوسكار لأفضل سيناريو مناصفة مع «مات ديمون».

وسرعان ما انتقل كلاهما، بعد ذلك الفوز، إلى عالم التمثيل وبقدر ما نجح «ديمون» وتألق فى أكثر من فيلم، بقدر ما فشل «أفليك»، حتى إن الظن ذهب بالبعض إلى أنه، وقد ضل السبيل، لا مستقبل له فى مصنع الأحلام.

غير أنه، وعلى غير المتوقع، فاجأ الجميع، قبل أربعة أعوام، بإخراج فيلم روائى طويل «ذَهَبَ، يا صغيرة، ذَهَب»، أشاد به النقاد.

أعقبه بفيلم ثان «المدينة»، صادفه، هو الآخر، التوفيق إلى حد كبير.

ثم جاء فيلمه الثالث، ليؤكد مولد مخرج قدير، يسير على نفس خطى نفر قليل من نجوم هوليوود، بدأ ممثلاً، وانتهى به الأمر مخرجاً كبيراً، تنال أفلامه سعفة كان الذهبية، والعديد من جوائز مهرجانات أخرى، أخص، من بينها، بالذكر مهرجان الأوسكار.

ولعل خير مثل على ذلك التحول المذهل هو «كلينت ايستوود» الممثل والمخرج ذائع الصيت.

فـ «آرجو»، والحق يقال، فيلم مدهش، من ذلك النوع النادر، الذى يؤهل صاحبه للترشيح، هو وفيلمه لأكثر من جائزة أوسكار.
argo

يستهله كاتب السيناريو «كريس تيريو» ببداية مكثفة، يحكى فيها باختصار تاريخ الأمة الفارسية، كيف حُكمت على مر مئات السنين بأباطرة محاربين.

وفجأة، ينتقل الحكى بنا إلى منتصف القرن العشرين، حيث يُنتخب الدكتور مصدق رئيسًا لوزراء إيران، ويؤمم صناعة البترول فتتآمر ضده الولايات المتحدة وبريطانيا، ويسفر تآمرهما عن انقلاب، بموجبه يعود شاه إيران فيحكم البلاد بالحديد والنار، وأثناء سنوات حكمه التى كادت تصل إلى ثلث قرن من عمر الزمان، اتسعت الهوة بين الأغنياء والفقراء، الأمر الذى أدى إلى ثورة أطاحت بنظام الشاه، وعودة الإمام الخمينى إلى إيران من منفاه، مستقلاً طائرة مروحية، حطت به فى طهران، دون أن تطلق عليها رصاصة واحدة من جيش الشاه، ولم يكن ثمة مفر أمام الشاه وحاشيته، إزاء كل هذا، سوى اللجوء إلى الولايات المتحدة التى قام بحماية مصالحها زمناً طويلاً.

ويشعل ذلك اللجوء غضب الجماهير فى إيران، فتقوم المظاهرات منددة بالشيطان الأكبر، مطالبة بإعادة الشاه، حتى يحاكم على جرائمه فى حق الشعب الإيرانى ويستغلها غلاة الملالي، فيوجهونها صوب السفارة الأمريكية وأمام أسوارها، أخذت الأمور تتدهور سريعاً، وبغوغائية منقطعة النظير، تسلقوا الأسوار، واقتحموا أبواب السفارة، حيث ألقوا القبض على جميع من كانوا فيها، ضاربين بالقوانين والأعراف الدولية عرض الحائط.

وبدءاً من حصار السفارة واقتحامها، ينتقل السيناريو بأحداثه بين ثلاثة أماكن، واشنطن العاصمة الأمريكية، حيث مبنى كل من وزارة الخارجية والمخابرات المركزية.

وهوليوود، حيث يوجد المنتجون، وصانعو الأفلام. وطهران، حيث السفارة الكندية التى لجأ إليها ستة من موظفى السفارة الأمريكية.

وحول إنقاذهم بالخروج بهم من إيران سالمين، تدور أحداث الفيلم، وجوداً وعدماً.

أما كيف دبرت تلك المخابرات أمر خروجهم من الجحيم آمنين بتكليف أحد رجالها المتخصصين «مندز» ويؤدى دوره «بن أفليك» بالقيام بتلك المهمة المحفوفة بالمخاطر، فذلك ما يحكيه سيناريو محكم البناء، أعاد إلى شاشة ذاكرتى «كل رجال الرئيس»، ذلك الفيلم الذى تدور أحداثه حول فضيحة «ووترجيت» التى أجبرت الرئيس الأمريكى الأسبق «ريتشارد نيكسون» على الاستقالة، والخروج من البيت الأبيض باكياً، ذليلاً.

فنفس الغرف والدهاليز المغلقة، داخل جريدة الواشنطن بوست حيث جالت الكاميرا وصالت، وظهر أثر ذلك فى فيلم «كل رجال الرئيس» نرى ما يشبهه فى فيلم «آرجو» ولكن داخل مبنيى المخابرات المركزية، ووزارة الخارجية الأمريكية.

وكذلك الأمر، فيما يتصل بالقلق والترقب والتخوف المشحونة به نفوس المشرفين على عمليتى كشف المستور من جرائم رئيس أقوى وأغنى دولة فى العالم، وإنقاذ المقيمين الستة فى السفارة الكندية بطهران.

فهو بدوره، يكاد فى الحالتين أن يكون واحداً وقد يتساءل البعض، وما دخل هوليوود بكل هذا، أى بأمور، فى جوهرها سياسية واستخباراتية؟

جاء ذكر هوليوود، لأنها لعبت دوراً أساسياً فى عملية تهريب اللاجئين الستة، المقيمين بالسفارة الكندية كيف؟

تقول الوثائق السرية المتصلة بعملية التهريب هذه والتى أفرجت عنها المخابرات الأمريكية مؤخراً، إن الفضل فى نجاحها إنما يرجع إلى مساهمة نفر من هوليوود فى تضليل السلطات الإيرانية، بالإعلان فى مجلة «ڤارايتى» عن انصراف نية أحد المنتجين إلى عمل فيلم من نوع الخيال العلمى اسمه «آرجو».

وإمعاناً فى التضليل، طبع ملصق للفيلم، جرى نشره على نطاق واسع.

وكل ذلك، وغيره كثير من وسائل التضليل، أقام لعميل المخابرات «مندز» فرصة دخول إيران، بوصفه مواطناً كندياً ومخرجاً للفيلم.

والخروج بالأمريكيين الستة من السفارة الكندية بوصفهم أفراد طاقم الفيلم، لتصوير الأماكن اللازمة له، وبعضها فى إيران.

وهكذا، وبفضل التضليل بأسلوب سينمائى قوامه تزييف الحقيقة، نجح المعذبون الستة فى خداع الحرس الثورى، والنجاة بأنفسهم من الجحيم!

«طرزان و بوند «فرسا رهان

«طرزان» بطل السينما الامريكية اقدم عهدا من «جيمس بوند» العميل البريطاني، في خدمة صاحبة الجلالة ملكة بريطانيا، فأول مؤلف عن «طرزان» لصاحبه الاديب الامريكي «ادجار رايس» يرجع إلي عام 1916، وأول ظهور علي الشاشة لطرزان انسان الغابة، في فيلم متكلم يرجع إلي عام 1932.
tarzan

وكان المتقمص لشخصيته فيه «جوني وايسملر» اشهر الممثلين الذين ادوا دور «طرزان» واقربهم إلي قلوب الناس، أما أول مؤلف عن «بوند» لصاحبه الانجليزي «ايان فلمنح»، فيرجع إلي عام 1953، تاريخ نشر «كازينو روبال» فبدءا من ذلك العام، وحتي وفاته عام 1964 كان لا يمر عام، دون ان تنشر له رواية جديدة بطولة بوند، وتشتري فور حقوق ترجمتها إلي لغة السينما.

وكما كانت افلام «طرزان» الأولي، المتكلمة بطولة «وايسمولر» هي الاكثر نجاحا، وهي التي جعلت من «طرزان» اسما يتردد علي كل لسان، كانت افلام «بوند» الاولي، بطولة «شين كونري» هي الاخري، الاكثر نجاحا، وهي التي جعلت من «بوند»، معبودا من الجماهير، افلامه ينتظرها عشاقه بفارغ الصبر.
sean

كما جعلت من «كونري» نجما، متألقا في سماء السينما العالمية، حتي يومنا هذا، ومن بين افلام «طرزان» بطولة «وايسمولر»، اخص بالذكر «طرزان يجد ابنا» و«طرزان في نيويورك»، وهنا لا يفوتني ان اذكر كذلك، ان «وايسمولر» كانت تشاركه بطولة افلامه النجمة «مورين أوسيلفان» في دور «جين»، ونجم آخر ليس من بني الإنسان، وانما من نوع الشمبنزي اسمه «شيتا» وقد نال شهوة واسعة، شرقا وغربا، لم ينلها الكثير من النجوم السينما العالمية. وكان ظهوره علي الشاشة، مصدر فرح الصغار والكبار، علي حد سواء، فلماذا ما غاب عنها، ولو قليلا احسوا بفقدان شخص عزيز، وتمنوا عودته سريعا.
jamesbond

اما افلام «بوند» الاولي، فاخص، من بينها بالذكر «الدكتورنو» بوصفه الفيلم الذي تم فيه اول لقاء بين «بوند» والسينما، حيث امتزج العنف بالجنس، بالدعابة، علي نحو غير مألوف في افلام بدايات خمسينيات القرن العشرين، وتحديدا عام 1952، كما تم فيه، أي «الدكتورنو» أول لقاء بين «بوند» و«كونري» الذي انبهرت به الجماهير، وهو من الطائرات، يقفز رشيقا، جريئا، وعلي الجليد يتزحلق، متخطيا كمائن، يشيب من هولها الولدان، وفي احضانه تتلوي الحسناوات، ومن فرط اللذة، يفقد الصواب، ولأنه نجح في تقمص «بوند» علي خير وجه، اسند إليه الدور في سبعة افلام، من بينها اخص بالذكر «من روسيا مع حبي» 1963 و«جولد فنجر» «الاصبع الذهبي» 1964، والحق، انه لولا «كونري» بافلامه السبعة، لما اصبح «بوند» ايقونة، ولما استمر مشهورا، لا يضارعه في استمرار الشهرة، حتي يومنا هذا، سوي «ميكي ماوس» و«توم وجيري».

ولما قضي بالضربة القاضية علي «طرزان» فبدءا من ظهور «بوند» علي الشاشة قبل خمسين عاما، بدأ نجم «طرزان» في الافول شيئا فشيئا لم ينفعه ظهور احدي بطلات افلامه «بوديريك» عارية، ولم يفده الظهور في افلام ملونة شيئا.

وفي حملة لانقاذ ذكراه، انتجت استديوهات والت ديزني فيلما، من نوع الكارتون، بطله طرزان 1999، وانتجت احدي شبكات التليفزيون الامريكي مسلسلا استمر لستة مواسم، بطولة «طرزان» رجل الغاب ولكن كل ذلك لم يكن مجديا، فلا يزال حضور «بوند» طاغيا.

فالحديث عن فيلمه الاخير «السقوط من السماء» «skyfall» في وسائط الإعلام المقروءة والمسموعة والمرئية، بمناسبة طرحه للعرض العام في بريطانيا، وبلاد اخري، حديث، يكاد لا ينتهي.

والاقبال علي مشاهدته، منقطع النظير، والاستحسان له من قبل النقاد، فاق كل التوقعات، وكل ذلك النجاح الذي يصاحب عرض فيلم «بوند» الاخير، امر يفتقده «طرزان»، وافلامه، منذ زمن بعيد.

ساعة ونصف مع قطار الموت

لا أعتقد أن ثمة فيلماً مصرياً حظى بمثل ذلك الحشد الكبير من أبناء وبنات، بل وأقارب، كبار فناني السينما الذي حظى به، الفيلم الأخير للمخرج البارع «وائل احسان»، وأقصد به «ساعة ونصف» الذي يجري عرضه الآن في أكثر من دار سينما، بطول وعرض البلاد فباستثناء فئة من نجوم المسرح والسينما من بينها أخص بالذكر كريمة مختار وأحمد بدير وسوسن بدر وماجد الكدواني وسمية الخشاب وفتحي عبد الوهاب، باستثناء ذلك، فأغلب المسند إليهم ادوارا في الفيلم، أما اولاد أو احفاد وأما اقارب، فنانين وفنانات ذاع صيتهم وأصبحوا حديث الناس.
فيلم-ساعة-ونصف-كاملا-مشاهدة-مباشرة-اونلاين-بدون-حذف

ولأنهم كثر، قاربوا العشرة عداً، آثرت الامتناع عن ذكر الأسماء والانساب، وذلك لضيق المجال ورغم أن اختيارهم، وبمثل ذلك الحشد الكبير، انما يشكل شبهة توريث، شابت الفيلم بعيب جسيم، وهو عيب يتهدد السينما المصرية، فيما لو استمر ولم يقاوم بضراوة، فاستفحل وبئس المصير، فرغم ذلك، نجح المخرج ببراعته المعهودة في توزيع الأدوار بينهم، بمراعاة موهبة كل واحد منهم وقدراته على حسن الاداء.

ولعله كان مستهدياً في ذلك بمقولة المخرج الأشهر «أفريد هتشكوك» أنه في وسعه أن يحرك بقرة على نحو يجعلها تبدو، وكأنها تحسن التمثيل، ومما ساعده على تحقيق ذلك قصر الادوار المسندة اليهم جميعاً، فالفيلم وهو من نوع أفلام الكوارث ذلك النوع الذي انفردت به هوليوود لزمن طويل معظم أحداثه تدور داخل قطار مسرع بركابه نحو هاوية الموت.

وزمن تلك الأحداث يبدأ في تمام الساعة السابعة صباحاً، وينتهي بالكارثة في تمام الساعة الثامنة والنصف وهو نفس زمن الفيلم، الذي لم يزد على ساعة ونصف الساعة، وهنا أرى من المناسب أن أذكر أن أفلاما قليلة في تاريخ السينما، هي التي استطاع اصحابها أن يجعلوا زمني الفيلم واحداً، على النحو الذي فعله «وائل إحسان» ومن بين تلك الأفلام القليلة أخص بالذكر «في عز الظهيرة» لصاحبه المخرج الامريكي «فرد زينمان».

وإذا كان «احسان» قد تأثر «بزينمان» وفيلمه هذا، أو بغيره، فذلك لا يعيب فيلمه في شىء، فجميع الأعمال الفنية في التراث العالمي، ملك المبدعين، كما قال وبحق الموسيقار «موزار».

يبقي أن أقول: إن الكاتب «أحمد عبدالله» صاحب سيناريو الفيلم، قال فيما قال أثناء حديث مع احدى الصحف ان كتب السيناريو، قبل احداث الخامس والعشرين من يناير، وأنه لم يغير فيه حرفاً واحداً، وأنه يعتقد أنه لو تم تأجيل عرضه عاما آخر لما أثر ذلك على نجاحه ولا قبل الجمهور على مشاهدته، فالأوضاع في مصر، حتى تتغير الى الأحسن، امامها سنوات طوال.

والحق، انه بامتناعه عن ادخال اي تغيير على السيناريو، حتى تبدو الأمور على خلاف الواقع وردية، قد أحسن عملاً، وكان بذلك يعيد النظر الى حد كبير!!