المعركة الأخيرة بين «آرجو» ولينكولن محرر العبيد

أقدم أكاديمية للسينما هى الأكاديمية الأمريكية لفنون وعلوم الصورة المتحركة، ويرجع تاريخ انشائها الى النصف الثاني من عشرينيات القرن العشرين وتحديداً عام 1927.

وبعد ذلك بعشرين عاما، انشأت الاكاديمية البريطانية لفنون الفيلم والتليفزيون، واختصارها «بافتا»، وكلتا الاكاديميتين تقيم حفلاً سنوياً، الاولى لتوزيع جوائزها، المسماة أوسكار، على الفائزات والفائزين بها والثانية لتوزيع جوائزها، وتعرف تحت اسم «بافتا» وكثيراً ما يكون فوز الفيلم المرشح بجائزة «بافتا» لأفضل فيلم مؤشرا على فوزه، بعد ذلك، بجائزة الأوسكار.

والأمثلة على ذلك كثيرة اذكر من بينها الأفلام «هامليت»، «كل شىء عن حواء»، «بن هور»، و«شقة العازب»، و«لورانس العرب» و«الامبراطورالأخير»، فهذه الافلام وغيرها كثير، جمعت بين الفوز بجائزتي «بافتا» و«اوسكار».

ومن حين لآخر، وعلى غير المعتاد، يحدث العكس فيفوز فيلم بجائزة «بافتا» ومع ذلك يمتنع عليه الفوز بجائزة الاوسكار.

وأرجح الظن ان ذلك سيحدث فيما هو قادم من ايام وتحديداً يوم الرابع والعشرين من فبراير ففي ذلك اليوم ستعلن الاكاديمية الامريكية ما استقر عليه رأي اعضائها، في شأن من هو أو هى أحق بالفوز بجائزة الأوسكار.

ورغم أن الاكاديمية البريطانية جنحت قبل ثمانية أيام، الى تفضيل فيلم «آرجو» ومخرجه بن افليك، على فيلم «لينكولن» ومخرجه ستيفن سبيلبرج، وذلك بتتويجه بجائزتي بافتا لأفضل فيلم ومخرج فتتويجه على هذا النحو لا يعني أن فوزه بجائزتي أوسكار لأفضل فيلم ومخرج أمر مقضي.
argo

فأولاً مخرجه «بن افليك» لم يرد اسمه ضمن اسماء المخرجين الخمسة المرشحين لجائزة اوسكار افضل مخرج في حين أن «سبيلبرج» مرشح هو وفيلمه لتلك الجائزة.

ومثلما وقف عدم ترشيح «سبيلبرج» لجائزة «بافتا» أفضل مخرج حائلا دون فوز فيلمه «لينكولن» لجائزة «بافتا» فحتما، سيقف عدم ترشيح «افليك» لجائزة اوسكار افضل مخرج حائلا دون فوز فيلمه «آرجو» هو الآخر لجائزة أوسكار.
lincoln-movie

وأخيراً يبقى لي أن أقول:

أولاً: انه لا وجود للمقارنة بين «ارجو» و«لينكولن» فـ «ارجو» لا يعدو أن يكون فيلما مثيرا، لا هدف له سوى السخرية بملالي ايران، وتمجيد مشاركة هوليوود للمخابرات المركزية الأمريكية في تآمرها ضد النظام الذي اطاح بشاه ايران في حين أن «لينكولن» فيلم تاريخي يعرض للمحطة الأخيرة في حياة «ابراهام لينكولن» محرر العبيد.

ثانياً: انه وكما كان متوقعاً فاز فيلم «حب» لصاحبه «مايكيل هينيكيه» بجائزة «بافتا» لأفضل فيلم اجنبي، غير متكلم باللغة الانجليزية كما فازت ممثلته «ايمانويل ريفا» وهى في سن الخامسة والثمانين بجائزة بافتا لأفضل ممثلة رئيسية.

وقد سبق للفيلم الفوز في مهرجان كان الاخير بسعفته الذهبية، ومنذ فوزه هذا، وهو يحصد العديد من الجوائز، وكان من بينها جوائز افضل فيلم اوروبي ومخرج وممثلة وممثل رئيسي «ريفا» و«جان لوي ترانتينيان»، وأرجح الظن أنه فائز، بعد ثمانية أيام بجائزة اوسكار أفضل فيلم اجنبي غير متكلم باللغة الانجليزية.

عنصرية بالمقلوب وتاريخ مضروب

بدءا من «مخزن الكلاب»، ذلك الفيلم الذي بدأ به المخرج الأمريكي «كوينتين تارانتينو» مشواره السينمائي الممتد زمنيا، حتي يومنا هذا.

ولا فيلم له إلا ويثير زوابع من الفرقة والخلف فيما بين جمع متحمس للفيلم الجديد أشد حماساً، وجمع آخر معاد له أشد عداء.

والسؤال الملح لماذا ظاهرة الفرقة والخلف هذه بدءا من أول فيلم أخرجه «تارانتينو».

والإجابة عن السؤال تنحصر في أن فيلمه الأول «مخزن الكلاب» كان صادما لجميع مشاهديه بما انطوي عليه من كم عنف مجاني، علي نحو غير معتاد، حتي في أكثر الأفلام اتجارا بالعنف مثل بعض أفلام الغرب الأمريكي، وبخاصة ما كان منها متصلا بذلك النوع الإيطالي المسمي بأفلام الغرب الأسباجيتي، ومن بينها أذكر «حفنة من الدولارات» و«من أجل حفنة أكبر من الدولارات» و«الطيب والشرير والقبيح» ولكن غلو «تارانتينو» في استعمال العنف في فيلمه الأول فاق استعمال غيره له.

«فمخزن الكلاب» لا ينتهي إلا وجميع شخوصه قد سقطوا قتلي بفعل رصاصات انطلقت من فوهات غدارات وجثثهم متناثرة أشلاؤها، وسط نزيف من الدماء، واللافت في أفلامه اللاحقة، هو استمرار ذلك النوع من العنف غير المألوف، سائدا، في جميع أفلامه اللاحقة، دون أي استثناء.

وعلاوة علي ذلك، أضاف إلي العنف في فيلمه قبل الأخير «أوغاد بلا أمجاد» (2010)، شيئا آخر خارجاً عن المألوف هو تغيير التاريخ، بحيث يتفق مع حبكة الفيلم.
inglourious-basterds-

فمعروف تاريخيا، انه ما إن تأكد «هتلر» من ان هزيمة ألمانيا أصبحت أمرا مقضيا، حتي حسم أمره، هو وعشيقته «ايثابراون» المقيمة مع في المخبأ الحصين بالعاصمة برلين، بأن قررا التخلص من الحياة بالانتحار.

وكذلك كان الأمر بالنسبة للدكتور جوبلز وزير الإعلام في ألمانيا النازية، فهو وزوجته «مجدا جوبلز»، انتحرا بعد ان قتلت «مجدا» أولادهما الستة بالسم الزعاف ولكن «تارانتينو»، يضرب بالتاريخ عرض الحائط، فهتلر في فيلمه يغتال، هو وجميع قادة الطغمة النازية الحاكمة في تفجير بإحدي دور السينما بالعاصمة باريس التي كانت محتلة حينذاك!!

ونفس ذلك التغيير، وإن كان بدرجة أقل، استحدثه «تارانتينو» في فيلمه الأخير «جانجو.. حرّا».

فهو ولئن اختار لفيلمه هذا، ان تبدأ أحداثه قبل اندلاع نيران الحرب الأهلية الأمريكية، بسنتين إلا ان الفيلم جاء خاليا من أية إشارة إلي الصراع السياسي الذي كان محتدما. داخل أروقة الكونجرس الأمريكي، وخارجها، بطول وعرض البلاد.

بل وآثر، كعهدنا به، ان يسلط الضوء علي الاضطهاد العنصري الجسدي، للسود، شتي صوره البغيضة، وأشكاله العنيفة، المثيرة للاشمئزاز.

ولم ينس مقاومة السود لذلك الاضطهاد، فسلط الضوء عليها هي الأخري، علي نحو غير مسبوق في تاريخ سينما هوليوود.

وكالمعتاد في أفلامه جاء «جانجو.. حرّا» مليئا بمشاهد فيها الشيء الكثير من الغلو في تعذيب السود وقتل البيض بالجملة، انتقاما.

«فجانجو» بطل الفيلم، ويؤدي دوره الممثل الأسود «جيمي فوكس» يحصد أرواح البيض، كالجراد، أثناء بحثه عن زوجته التي بيعت في سوق النخاسة.

ويشاركه في حصد الأرواح طبيب أسنان ألماني، ويؤدي دوره الممثل النمساوي البارع «كريستوف فالسي».

وكأن صاحب الفيلم يريد بغلو الاثنين في القتل أن يقول إن قتل البيض كالأغنام حلال، مثلما كان قتل وتعذيب السود، في نظر غلاة العنصريين، هو الآخر حلالاً!!

“حياة بى “فيلم وحيد نوعه درة بين الأفلام

الأفلام التى يكتب لها البقاء دوماً فى الذاكرة، حيث يتم الاسترجاع لها على شاشتها، من حين لآخر.. أقل من القليل، وأرجح الظن أن «حياة بى» من ذلك النوع النادر من الأفلام، فموضوعه مأخوذ من رواية للأديب «يان مارتل»، ما إن نشرت قبل عشرة أعوام، حتى لقيت إقبالاً من الجمهور، على نحو وصل بالنسخ المبيعة منها إلى بضعة ملايين، الأمر الذى حدا بأحد استديوهات هوليوود الكبرى إلى الإسراع بشراء حق ترجمتها إلى لغة السينما، غير أنه سرعان ما تبين لذلك الاستديو أنها رواية عصية على الترجمة إلى لغة العصر.

فكلما عرضت على أكثر من مخرج مشهود له بالقدرة على تطويع الأعمال الأدبية الصعبة، بحيث تصبح عملاً سينمائياً مقبولاً من جمهور المتفرجين، وحاول ذلك جاهداً، إلا أنه بعد حين، كان يجد نفسه عاجزاً عن إتمام المهمة، ولا مناص من الاعتذار والانسحاب.
pi

وهكذابقيت «حياة بى» سنوات.. وسنوات، فى انتظار المخرج القادر، الذى يرى نفسه أهلاً للقيام بتلك المهمة الصعبة، بل تكاد تكون شبه مستحيلة.

وبعد طول انتظار، أبدى المخرج «انج لى» استعداداً، بل حماساً لإخراج فيلم مستوحى موضوعه من تلك الرواية التى استعصى إخراجها على أكثر من صانع أفلام والسؤال من هو «انج لى» هذا، الذى استطاع غير آبه بالمخاطر، أن يخرج فيلماً، عجز سينمائيون كبار، لهم نفس قامته، عن أن يكملوا المشوار، فيبدعوا فيلماً مأخوذاً عن تلك الرواية؟

«انج لى» مخرج من أصول تايوانية «أى صينى من جزيرة تايوان»، يملك رصيداً سينمائياً، قبل «حياة بى»، مكوناً من ثلاثة عشر فيلماً، وعن أحدها «جبل بروكباك» فاز بجائزة أوسكار أفضل مخرج وبفضل رصيده السينمائى هذا، ذاع صيته شرقاً وغرباً، ومع ذلك، فهو غير معروف، فى ربوع مصر، إلا لفئة قليلة من المولعين بفن السينما.. لماذا؟ لأن جميع أفلامه، فيما عدا «النمر المتوثب والتنين الخفى» لم تتح لهما فرصة العرض بالعام، لسبب أو لآخر عندنا، فى ربوع مصر، وأياً ما كان الأمر، فبطولة فيلم «حياة بى» تنحصر ويا للعجب، فى اثنين، أحدهما «بين باتل» ويعرف طوال أحداث الفيلم باسم «بى» وهو شاب هندى ويؤدى دوره «سوراچ شارما» فى أول ظهور له على الشاشة البيضاء.

والآخر نمر بنغالى شديد الافتراس، له اسم «ريتشارد باركر»، كينى الإنسان والاثنان كان يجمعهما فى بداية الفيلم، مكان واحد، حديقة حيوان صغيرة بالهند، يمتلكها أبو «بى» وفى تلك الحديقة، وما حولها، اكتشف «بى» الحب والأديب الروسى «دستيفسكى» والتحاور مع أبيه، فى كل ما يتصل بالعقائد والأديان السماوية وغيرها من الأديان.

وفجأة، وجد «بى» نفسه طريد ذلك النعيم المقيم، مع بعض حيوانات الحديقة، وأفراد أسرته، تزدحم بهم جميعاً سفينة شحن يابانية، متجهة إلى كندا، التى قرر رب الأسرة الهجرة إليها، بعد أن ضاق عليه الخناق اقتصادياً، فى بلاد تركب الأفيال غير أن الأقدار شادت لهم مصيراً آخر هبت ريحاً صرصراً عاتية، أغرقت السفينة بمن عليها، إلا أن النجاة كتبت لـ«بى»، والنمر، وعدد قليل من حيوانات أخرى، فإذا بهم يجمعهم قارب نجاة واحد، وسط محيط متقلب، غاضب حيناً وهادئ حيناً آخر، وسرعان ما يبدأ الصراع من أجل الحياة، بين المقيمين فى القارب، لينتهى ببقاء الأصلح «بى» والنمر شديد الافتراس، وعلى مدى أكثر من مائتى يوم، ومع اشتددا الصراع بين الاثنين.

اعتاد النمر، شيئاً فشيئاً على تغيير اعتقاده بأنه فى وسعه أن يتحكم فى كل الفضاء المحيط به، وذلك تمت تأثير ترويض «بى» له، وتدريبه على نحو يعيد معه التفكير فى ذلك الافتراض، أما كيف أقنعه «بى» بأنه ليس مجرد فريسة يلتهمها وقتما يشاء، وإنما كائناً مثله، له حق الحياة معه، فذلك ما حكاه سرد سينمائى شائق، فيه من السحر الشىء الكثير.