أعظم فيلم علي مرّ عصور السينما

«المواطن كين» فيلم ليس كغيره من الأفلام فصاحبه «أورسون ويلز» أخرجه ولما يكن له من العمر سوي خمسة وعشرين عاما، ورغم أنه أول فيلم له رشحته أكاديمية السينما الأمريكية لست جوائز أوسكار، من بينها جوائز أفضل فيلم ومخرج وممثل دور رئيسي «أورسون ويلز»
citizan kane

وهكذا وجد المخرج الشاب  نفسه مع فيلمه الأول في مضمار المنافسة علي جوائز أوسكار، في مواجهة مخرجين كبار مخضرمين، أذكر من بينهم علي سبيل المثال «چون فورد» و«هوارد هوكس» و«ويليام ويلز» و«ألفريد هتشكوك»، ورغم أن فيلمه خرج من المضمار غير متوج إلا بجائزة «أفضل سيناريو مبتكر» إلا أن مجرد ترشيح الأكاديمية لفيلمه لأهم جوائز أوسكار وفوزه بواحدة منها، يعد اعترافا من أهل العلم بتلك الأكاديمية، بمولد عبقرية في مجال الفن السابع، وتكريسا لـ«ولز» نجما ساطعا في سماء عاصمة السينما، في ذلك الزمان.

وهنا، لا يفوتني أن أذكر أن فيلمه «المواطن كين» أحدث، قبل عرضه، وعلي غير orson wellesالمعتاد، ضجة إعلامية كبري، عندما حاول «راندولف هيرست» ملك الصحافة وقتذاك، شراء نسخة الفيلم السالبة من أجل التخلص من «المواطن كين» حرقا، حتي لا يبقي منه شيء صالح للعرض العام.

وعندما فشل «هيرست» في إعدام الفيلم وجعله هباء مع الهباء أمر جرائده المنتشرة بسمومها بطول وعرض الولايات المتحدة، أمرها بعدم نشر أي دعاية له، حتي ولو كانت مدفوعة الثمن، فضلا عن شن حملة ضارية عليه حين عرضه في دورالسينما.

كل ذلك رفع من شأن «المواطن كين» وصاحبه،وجعل من كليهما أسطورة وحيدة نوعها بين الأفلام والمخرجين.

وتبعا لما تقدم، ففي ثاني استطلاع رأي لمشاهير النقاد، تجربة «سايت اند ساوند» (الصورة والصوت) مجلة السينما الشهرية، «ووقتها كانت فصلية»، لاختيار أحسن عشرة أفلام في تاريخ السينما، نجح «المواطن كين» في احتلال المركز الأول.

وفي استطلاعات المجلة الأربعة التالية، استمر «المواطن كين» محتلا ذلك المركز وهذا يعني أنه ظل متربعا علي عرش السينما، بوصفه أعظم فيلم في تاريخها، لخمسة عقود من عمر الزمان.

ولأن دوام الحال من المحال، ففي آخر استطلاع رأي أجرته تلك المجلة (2012) نشر في عددها الأخير (سبتمبر 2012) حدث أمر مفاجئ، تربع علي العرش بدلا منه فيلم أمريكي آخر «دوار» لصاحبه «ألفريد هتشكوك» المخرج البريطاني ذائع الصيت، و«دوار» فيلمه الخامس والأربعين هذا، ولم يدخل أي من أفلامه في عداد الأفلام العشرة الأوائل، إلا بناء علي نتائج استطلاع المجلة الرابع (1982) حيث احتل «دوار» المركز السابع، وكان ذلك بعد وفاة «هتشكوك» بعامين.

غير أنه وعلي مدي الثلاثين عاما التالية أخذ فيلم «دوار» يتقدم شيئا فشيئا، من المركز السابع إلي الرابع عام 1992، فالثاني عام 2002.

ثم المركز في الاستطلاع الأخير (2012) ليحل بذلك محل «المواطن كين» متربعا بدلا منه علي عرش أعظم فيلم، علي مر عصور السينما!!

داء العنصرية في بلد الحرية والمساواة والإخاء

كنت في حيرة من أمر الكتابة عن ثلاثة أفلام «المنبوذون» و«طرق بحث خطرة» و«العار».. عن أي منها، أكتب بشيء من التفاصيل.. وأخيراً، وبعد ساعات طوال من أعمال الفكر وجدتني وقد زالت الحيرة، جانحاً إلي إثيار فيلم «المنبوذون» بالكتابة عنه.. أما لماذا آثرته علي الفيلمين الآخرين، فذلك لأنه مختلف عنهما في أنه طاهر الذيل، أي غير مشوب بأي عيب رقابي يقف حائلاً بينه وبين الترخيص له بالعرض العام في ربوع مصر.

ومن ثم فثمة أمل ولو ضئيلاً، في أن نراه علي شاشة كبيرة عندنا في المستقبل القريب ومن هنا يكون التنبيه إلي أهميته، بالكتابة عنه أمراً مفيداً ولو قليلاً.

في حين أن الكتابة عن الفيلمين الآخرين لا جدوي منها، متي كان عرضهما يكاد يكون أمراً مستحيلاً، إلا إذا كان العرض لهما بالكتابة، الغرض منه أن أذكر بوجود رقابة معادية لحرية التعبير.
intouchables

وأنتقل إلي الفيلم الذي وقع عليه الاختيار وهو «المنبوذون» لأقول إنه فيلم فرنسي، من نوع الملهاة.. وهو ليس عن منبوذي الهند، وإنما عن منبوذين من نوع آخر، أكثرهم قادم إلي فرنسا من أفريقيا السوداء وشمالها الغربي، تونس والجزائر والمغرب.. وبمرور الأعوام استقر معظمهم في بلد الحرية والمساواة والإخاء، حيث اكتسبوا الجنسية الفرنسية ومع ذلك ظلوا في نظر قطاع من الفرنسيين الأصليين لا يستهان به، غرباء، ليس لهم حق المساواة، مع أهل البلد الأصليين.

وبوصفهم غرباء بقوا مهمشين، شبه منبوذين وأحداث الفيلم تدور حول شخصين رئيسيين «فيليب» و«إدريس» ويؤدي دورهما الممثلان «فرانسوا كلوزيه» و«عمرسي»، وكلاهما فرنسي إلا أن الأول أبيض أصوله فرنسية، أما الثاني فأسود البشرة، ترجع أصوله إلي السنغال، غربي أفريقيا السوداء.

والفيلم كما سبق القول ذو طابع أقرب إلي الملهاة فضلاً عن أن مخرجيه ليس لهما رصيد من أفلام ذات قيمة كبيرة.. ورغم ذلك حقق الفيلم أعلي الإيرادات، داخل فرنسا وفوق هذا جري ترشيحه لتسع جوائز سيزار، المعادل الفرنسي لجوائز أوسكار.. وخرج من مضمار التنافس عليها فائزاً بجائزة أفضل ممثل رئيسي، وكانت من حظ «عمرسي» الذي لعب بجدارة دور «إدريس» وكما يقال دور العمر.. وهو كما رسمت شخصيته في سيناريو الفيلم شاب فارع القوام، يعيش يوماً بيوم، هامش، عاطل، خارج لتوه من السجن، يقيم بمسكن شعبي بأحد الأحياء الفقيرة بضواحي باريس، غير آبه بالمطالب العائلية.. ومع ذلك فهو متعال، دائماً مرفوع الرأس.. والفيلم يبدأ به في مشهد مذهل، بكل المعايير، سابق علي ظهور العناوين، حيث نراه سائقاً عربة ملاكي بسرعة جنونية والشرطة تطارده لمخالفته قواعد المرور، وما إن يقف تحت تهديد الشرطة، حتي يبدأ في اتهام مطارديه بمنعه عن مواصلة السير وأنهم قد حالوا بينه وبين الوصول بالمريض إلي المستشفي، لإنقاذه من أزمة خطيرة، الأمر الذي قد يكون سبباً في فقدانه الحياة.

وسرعان ما يتبين لنا، إثر انتهاء العنوان أن ذلك المريض هو «فيليب»، وحسب رسم شخصيته فهو رجل ارستقراطي واسع الثراء يعاني من شلل رباعي، وفي أشد الحاجة إلي مدرب يسهر علي رعايته.

أما كيف وقع اختياره علي «إدريس» لأداء تلك المهمة وكيف قامت بين الاثنين صداقة، انعكس أثرها علي كليهما، فالثري المشلول أقبل علي الحياة، وأصبح أكثر تسامحاً وتواضعاً.. «إدريس» أصبح أكثر التزاماً.. كلاهما اكتسب أحسن ما عند الآخر من مزايا، فذلك ما يحكيه فيلم رائع أضحكنا كثيراً، ومن حين لآخر أبكانا ونخرج منه أكثر فهماً لمعني الحياة، وتقبلاً لها بكل ما فيها من أفراح وأحزان!!

الحالمون

هذا اسم فيلم للمخرج «برناردو برتولوتشي»، صاحب أفلام أصبحت علامات في تاريخ السينما الإيطالية ومن بينها أخص بالذكر «قبل الثورة»، «المتلائم»، «التانجو الأخير في باريس»، «القرن العشرون»، «الامبراطور الأخير» الفائز بالعديد من جوائز الأوسكار، وعلي رأسها جائزتا أفضل فيلم ومخرج، و«الحالمون» فيلم أخرجه «برتولوتشي» قبل تسعة أعوام، وكعهدنا به مزج في فيلمه «الحالمون» السياسة بالجنس وأضاف اليهما فن السينما فأولي لقطات الفيلم لفتي يسرع الخطى وعلي يمينه نهر «السين» إنه في طريقه الي قصر شايو، حيث توجد دار سينما صغيرة تجري فيها بانتظام عروض السينماتيك الفرنسية التي يديرها «هنري لانجلوا» صاحب الفضل الأول والأخير في إنشائها وجمع ذخائر فن السينما فيها لتكون في متناول عشاق ذلك الفن الوليد، وسرعان ما نري الفتي وقد دخل تلك الدار التي أصبحت قبلة كل مولع بالسينما، نراه يشاهد فيلما أمريكيا ممر الصدمات لصاحبه المخرج «صاموئيل ڤوللر».
The_Dreamers_movie

وما هي إلا بضع لقطات حتي تتلبد الغيوم، فيرتكب وزير الثقافة والأديب الشهير «اندريه مالرو» غلطة عمره فيرفت «هنري لانجلوا» ويعين بدلا منه شخصا يدين له بالولاء.

وما أن انتشر الخبر في الوسط السينمائي، حتي هب صناع الأفلام، مطالبين بعودة «لانجلوا» الي مركزه وازاء عناد الوزير أخذت مطالبهم تتصاعد، وأخذ صراعهم معه شكل تظاهرات بزعامة مخرجي الموجة الجديدة، الذين يدينون بالفضل الي «لانجلوا» لما أتاحه لهم من مشاهدة أفلام، تعلموا منها الكثير.

واتسع نطاق الصراع فوصل الي مهرجان «كان» حيث نجح نفر من مخرجي تلك الموجة في إنهاء فعاليات دورته لعام 1968 ثم الي طلبة الجامعات والمعاهد فتظاهروا ضد النظام، ووقتها كان يرأس الجمهورية الجنرال «شارل ديجول» بطل الحرب العالمية الثانية الذي قاوم الاحتلال الألماني النازي وتضامنا مع الطلبة، أضرب العمال، وتظاهروا بدورهم ضد حكومة الجنرال، وأصحاب الأعمال وبدا وكأن فرنسا أصابها زلزال فكل شيء توقف بطول وعرض البلاد، وعاني الشعب كثيرا، وظهرت في الأفق بوادر سقوط فرنسا في براثن فوضي عارمة، الأمر الذي دفع الجنرال «ديجول» الي استدعاء الجيش لإعادة الأمن والاستقرار الي ربوع فرنسا.

هذه هي الخلفية السياسية للأحداث التي حكاها الأديب الانجليزي «جيلبرت ادير» في روايته والسيناريو المأخوذ عنها والذي ترجمه «برتولوتشي» في فيلمه «الحالمون» الي لغة السينما، وأبطال الفيلم ثلاثة: «ماثيو» الفتي الأمريكي البريء القادم من وراء المحيط الي مدينة النور مبعوثا في إجازة دراسية لمدة عام و«ثيو» وشقيقه التوأم «إيزابيل» وهما يقيمان مع والديهما في شقة فخمة، ضخمة، مليئة بكتب ومجلدات يمتلكها الأب وهو من مشاهير الشعراء ويحدث اللقاء بين الثلاثة في إحدي التظاهرات ضد فصل «لانجلوا» وبعد اللقاء دعاه التوأم الي الشقة، حيث تناولوا وجبة الغذاء مع الوالدين، ولأن الشقة فيها متسع لإقامة «ماثيو» خاصة بعد سفر الوالدين، عرض عليه «ثيو» و«إيزابيل» الإقامة معهما حتي عودة الوالدين.

وكان أول ما لفت نظره ملصقات الأفلام التي تغطي الجدران،فضلا عن ملصقين لـ«جيڤارا» و«ماو تزي تونج»، والأغرب ممارسة ألعاب قوامها، تقليد مشهد في فيلم، ومطالبة الآخر تحديد اسم الفيلم المنطوي عل ذلك المشهد فإذا فشل وقع عليه عقاب، لايرد إلا علي بال شخص مريض نفسيا.

ومن تبادل أطراف لحديث مع «ثيو» كشف «ماثيو» أنه معجب بـ«ماو» وكتابه الأحمر الذي أصبح انجيل شباب الثورة الثقافية في الصين ومع ذلك، لا يريد المشاركة في تظاهرات الطلبة ضد وزير الثقافة الفرنسية من أجل إعادة «لانجلوا»، ولأنه أي «ثيو» يعاني من حالة طفولة سياسية تحول بينه وبين التواصل مع الطلبة المتظاهرين وتجعله شخصا مذبذبا يدفعه انفعاله الي الانتقال بموقفه من النقيض الي النقيض فإنه في أحد المشاهد الأخيرة ما أن يسمع هتافات المتظاهرين،حتي يندفع خارجا من الشقة مع شقيقه الي الشارع لا ليشارك فقط وإنما ليتحول بالمظاهرة السلمية الي مظاهرة يتحصن فيها الطلبة وراء المتاريس، وتلقي فيها القنابل الحارقة علي الشرطة لينتهي الأمر باستدعاء الجيش وبئس المصير!!