عُمَر

هذا أسم فيلم فلسطيني، صاحبه المخرج وكاتب السيناريو »هاني أبو أسد« الذى سبق له أن أدهشنا.. قبل تسعة أعوام، بفيلمه الرائع «الجنة الآن».
omar

«وعمر» أول فيلم روائى طويل، يخرجه بعد «الجنة الآن» وكلا الفيلمين رشح لجائزة أوسكار أفضل فيلم أجنبي، غير متكلم باللغة الانجليزية.

ولم يسبق لأى فيلم عربى قبل «الجنة الآن» ان رشح لتلك الجائزة المرموقة.

وحتى بعد ذلك الترشيح غير المسبوق (2006) لم يحظ أى فيلم عربى آخر بترشيح مماثل، إلى أن فوجئنا بخبر وقوع الاختيار على «عمر» لنفس مخرج «الجنة الآن»، ليكون ضمن الافلام الخمسة الاجنبية المرشحة لجائزة الاوسكار تلك (2013).

هذا ولقد كان «عمر» من بين الافلام التى عرضت فى مهرجان كان اثناء دورته السادسة والستين وتحديدا ضمن عروض احدى فاعليات المهرجان تحت اسم «نظرة ما» حيث فاز بجائزة التحكيم الخاصة (2013).

كما كان من بين الافلام التى شاركت فى مسابقات مهرجان دبى السينمائى الدولي، حيث انتهى الامر بفوزه، أى «عمر» بجائزة «المهر» لأفضل فيلم عربى فضلا عن جوائز وفوز مخرجه بها.

ورغم كل ذلك الفوز، لم تتح لكلا الفيلمين فرصة العرض العام فى ربوع مصر، حتى يومنا هذا.

أما كيف كان فى وسعى مشاهدتها، الاول قبل بضعة أعوام، والثانى مع بدء فعاليات مهرجان كان قبل بضع ساعات، أى بعد فوات أكثر من عام، على عرضه فى كان، فالفضل فى ذلك إنما يرجع إلى تسجيلهما على اسطوانة مدمجة، مما اتاح مشاهدة كلا الفيلمين على شاشة التلفاز.

و “عمر” تقع جميع احداثه، بدءا من أولى لقطاته، وحتى آخرها على أرض الضفة الغربية، متمحورة حول السور الفاصل بينها وبين اسرائيل الذى بنته سلطات الاحتلال.

فابطال الفيلم الثلاثة “عمر” و “أمجد” و “طارق” يقيمون فى تلك الضفة.

وتكاد الا تخلو أى لقطة فى الفيلم من “عمر” أما وحده وأما مع صديقيه “أمجد” و “طارق، أو منفردا باحدهما وأما مع عسكر الاحتلال وجلاديه وعملائه، وأما ملتقيا مع حبيبة قلبه “نادية”، فى السر والخفاء.

فالفيلم يبدأ به متسلقا ذلك السور البغيض، الفاصل بينه وبين “نادية”، المقيمة مع اسرتها على أرض الجانب الآخر من السور، أى اسرائيل، مضافا إليها ما جرى اقتطاعه غصبا من أرض الضفة الغربية، اثناء بناء السور، بحجة الحدّ من تسلل الارهابيين إلى أرض الميناء.

وهكذا نرى السور، بدءا من ذلك الاستهلال رمزا لاستبداد غاشم، معاد للحب، لا يقيم وزنا لما يعتمل داخل القلوب من عواطف جياشة، بدونها لا معنى للحياة.

وباقتصاد شديد، سرعان ما ينتقل بنا السيناريو المحكم البناء إلى الاصدقاء الثلاثة، مجتمعين معا ولا يؤرقهم سوى الاحتلال الجاثم على صدورهم.

انهم فى حاجة ملحة لعمل شيء ما، يتيح لهم فرصة النضال ضد ذلك الاحتلال المقيت.

ومن خلال تتبع تصرفاتهم التى دفعت واحدا منهم “أمجد” إلى قتل جندى اسرائيلي، قدم لنا المخرج البارع “هانى أبو أسد” صورة درامية أخاذة للصراع بين الثلاثة وبين جند الاحتلال وعملائه وبطبيعة الحال، فبحكم اعتياد “عمر” متسلق السور سعيا منه إلى لقاء “ناديه” الشغوف بها قلبه، ركزت أجهزة الامن الاسرائيلية جهودها عليه.

طاردته، قبضت عليه، حققت معه، عذبته اغرته هددته. مستعملة الوعد والوعيد.

ثم افرجت عنه، آملة بذلك ان يفصح عن اسم القاتل ومكان اختباء “طارق” صديق عمره، وشقيق حبيبته “نادية” والاخطر من ذلك كله انها استغلت اخلاء سبيله لتنشر شائعة انها روضته، حتى أصبح عميلا مزدوجا فضلا عن استغلالها ما لديها من اسرار عن حبيبته “نادية”.

وعلى امتداد احداث الفيلم، لم يغفل مخرجه، ولو للحظة واحدة، عنصر التشويق.

كما راعى ان يجيء فيلمه، رغم انه سياسى بامتياز خاليا من الزعيق، فليس فيه خطب حماسية، منبرية تخرج منه، بالاحساس بان الحب وتبعاته، أياما كان ذلك الحب ليس بالامر السهل، اليسير، حتى فى أحسن الاوقات ، وأكثرها اشراقا.

فما بالك، اذا كانت الاوقات اكثر سوءا وسوادا فى ذلك النوع من الاوقات، يشكل الحب خطرا داهما!!

غياب نجم وتحقق حلم

حدث، وأنا في المانيا، امران كلاهما جدير بالحديث عنه، ولو قليلا.

قبل ثلاثة أسابيع وتحديدا يوم الأول من مارس، غاب عن دنيانا عن عمر ناهز الثانية والتسعين نجم من نجوم الموجة الجديدة الفرنسية.

انه المخرج ذائع الصيت «آلان رينيه» الذى جاءته الشهرة بفضل أول فيلمين روائيين، ابدعهما قبل نحو خمسين عاما »هيروشيما حبي« 1959و»السنة الأخيرة فى مارينباد« 1961.
Alain Resnais

ومشواره مع الأطياف لم يبدأ بهذين الفيلمين، بل بدأ قبلهما، ببضع سنوات، اخرج أثناءها العديد من الأفلام الوثائقية، أخص بالذكر من بينها فيلمه القصير عن الفنان التشكيلى »فان جوخ« الفائز بجائزة أوسكار لأفضل فيلم وثائقى قصير (1949).

وهكذا، وعلى امتداد عقد كامل من الزمن، استمر لا يخرج سوى هذا النوع من الافلام الوثائقية، التى تميز من بينها فيلمه عن المحرقة »الليل والضباب« (1955) ذلك الفيلم الذى من فرط حماس المخرج الأشهر »فرانسوا ترينو« له اشاد به قائلا: »انه أعظم فيلم انتجته السينما«.

وعلى كل فالقدر المتيقن ان »الليل والضباب« الذى لا تزيد مدة عرضه عن ثلاثين دقيقة قد فاز بجائزة »جان فيجو« الفرنسية عام 1956.

ويكاد يجمع النقاد على أنه أفضل فيلم أبدعه خيال »آلان رينيه«.

ومن بين مخرجى الموجة الجديدة يعد »رينيه« الأطول عمرا، والأكثر مثابرة وحفاظا على الفكرة السائدة عنده والقائمة على اننا سجناء ذكرياتنا سواء كانت حقيقية أم من بنات الخيال.

فعلى مدى ستة عقود من عمر الزمان، استمر فى ابداعه، لا يثنيه عن اخراج الأفلام لاسن، ولا عقبات أخرى تحول بينه وبين تحقيق ما يريد، فى مجال صناعة الأطياف.

وحتى عهد قريب وقبل أن يجيئه الموت ببضعة أيام، كان مشاركا فى مهرجان برلين السينمائي، بفيلمه الأخير »حياة ريلى« (2014) ضمن الأفلام المتنافسة على جائزة »الذب الذهبى«.

وحيث خرج بفيلمه فائزا بجائزة »فيبريس« اتحاد نقاد السينما العالمي.

وختاما فالأكيد أن المخرج الراحل قد أراد لنا بأفلامه سينما أخرى تقول شيئا جديدا غير تلك السينما التى الفناها، لأنها لا تريد لنا أن نعمل فكرنا فيما نرى ونسمع وان تلك السينما الأخرى بأفلامها ستبقى ما بقى الدهر.

هذا عن الأمر الأول

أما الأمر الثاني، فموضوعه يدور حول تحقق حلم سينمائى طال انتظاره زمنا استمر خمسين عاما أو يزيد ذلك الحلم أن يكسر احتكار سينما هوليوود لعقول وقلوب محبى فن السينما فى ربوع مصر.

وان يكون ذلك بانشاء شبكة من دور السينما الصغيرة فى كبرى المدن المصرية تحت مسمى سينما الفن والتجربة أسوة بما حدث فى فرنسا أثناء النصف الثانى من القرن العشرين وكان من نتائجه كسر ذلك الاحتكار.

فبفضل تلك الدور الصغيرة عرضت أفلام من انتاج دول مجهول أمر أفلامها لعامة المتفرجين، مثل كوريا والمكسيك والارجنتين ورومانيا وتركيا وايران وغيرها من الدول الأوروبية والأفريقية والأسيوية ومع مرور الأيام أصبح لأفلام تلك الدول جمهور آخذ فى الاتساع شيئا فشيئا.

أما كيف تحقق الحلم عندنا بعد انتظام طويل، فذلك لأن شابا مولعا بالسينما، آثر ان يركب المخاطر، فافتتح دار سينما صغيرة للفن والتجربة، بوسط القاهرة اسماها »الزاوية«.

وقرر أن تقتصر العروض فيها على روائع السينما العالمية، التى لا تتاح لها فرصة العرض فى دور السينما العادية لأسباب متصلة بقانون السوق الذى تتحكم فيه الايرادات والالتزامات مع الشركات المهيمنة على انتاج وتوزيع الأفلام عالميا.

وكان أول فيلم افتتحت به عروض الزاوية بفيلم السعودى »واجدة« لصاحبته المخرجة »هيفاء المنصور«.
wajda

وموضوعه واقعى جرىء يذكرنا بروائع الواقعية الايطالية فى أوج مجدها، وبخاصة »سارقو الدراجات« لصاحبه المخرج »فيتوريرى دى سيكا«.

فأحداثه تدور حول تلميذة، ليس لها من العمر سوى أحد عشر ربيعا حلم حياتها ان تمتلك دراجة، وتركبها بحرية مثل زملائها التلامذة فى شوارع الرياض حيث تقيم مع أسرتها.

ولكن تحقيق حلمها هذا أمر بعيد المنال، ان لم يكن أمرا مستحيلا، فى بلد يخطر فيه على الفساد سواقة السيارات!!

ومع ذلك فقد تحقق حلمها فى نهاية المطاف، اما كيف تحقق فذلك ما يحكيه بالتفصيل، فيلم يعتبر درة بين الأفلام.

أخطاء غير مغتفرة فى زمن ثورة المعلومات

 كم كانت دهشتي، عندما تصفحت جريدة يومية واسعة الانتشار بحثا عن خبر وفاة نجمة كان اسمها “شيرلي تمبل” على كل لسان وأفلامها، وهى طفلة، تحقق أعلى الإيرادات.
Shirley-Temple

لأجده منشورا فى بضعة سطور، من كلمات معدودات مع أخبار أخرى مقتضبة، انطوى عليها أحد أعمدة الجريدة الغراء.

ولم يكن يحق لى أن أندهش، وقد سبق أن قرأت على صفحات تلك الجريدة وغيرها أخبارا سينمائية مخالفة تماما للواقع كانت دائما تثير دهشتي، ولا أقول انزعاجي، من بينها على سبيل المثال، لا الحصر، أذكر خبر أن ثمة فيلما تعده استديوهات هوليوود، مستوحى من قصة حب اثنين من مشاهير السينما الأمريكية “كاتي” و”تراس”.

وبداية، انصراف تفكيرى الى أن المقصود ببطلى قصة الحب تلك هما “كاترين هيبورن” و”سبنسر تراس” اللذان ذاعت قصة حبهما إبان عقود ثلاثة من القرن العشرين فبدءا من أربعينات ذلك القرن. وحتى 1967 تاريخ آخر فيلم لهما معا “خمن من الضيف القادم للعشاء” تقاسما بطولة حوالى ثمانية أفلام.

كما تبادلا الحب، دون أن يكون لهما بيت زوجية يقيما فيه معا، مثلما يقيم الأزواج، لتعذر ذلك ان لم يكن استحالته، لارتباط “تراس” بالزواج من امرأة أخري، زواجا كاثوليكيا، لا يجيز انهاء الرباط المقدس بالطلاق.

ومع ذلك استمر الحب بين “كاتي” و”تراس” الى أن جاء الموت “تراس” اثر انتهاء تصوير آخر فيلم لهما معا (1967).

كل ذلك معروف أمره للقاصى والداني، بل وموثق فى كتاب “تراس وهيبورن” لصاحبه كاتب السيناريو الشهير “جارسون كانين”.

ولكن الخبر المنشور عن قصة حبهما، والعزم على عمل فيلم مستوحى منها. اختلط فيه الأمر على محرره.

فبدلا من “كاترين هيبورن” استبدل بها المحرر اسم نجمة أخرى “أودرى هيبورن”.

وتأكيدا لذلك، وضع، وسط كلمات الخبر صورة “أودري”، بديلا “لكاتي”، وكأنه لا فرق بين النجمتين، وكأنه كل عند العرب صابون.

وأعود الى “شيرلى تمبل” التى فجر خبر نشر غيابها عن حياتنا عن عمر ناهز الخامسة والثمانين، ما تقدم من ذكريات.

لأقول أن مسيرتها فى دنيا التمثيل على الشاشة، بدأت، وليس لها من العمر سوى ثلاث سنوات فى أفلام قصيرة، وأدوار ثانوية فى أفلام روائية طويلة.

وما أن ظهرت تؤدى دور البطولة فى أول فيلم روائى طويل، حتى بدأ نجمها فى الصعود سريعا، حتى أصبحت نجمة شباك، تحتل المركز الثامن بين النجوم الأعلى تحقيقا للايرادات (1934) وذلك فى وقت لم يكن عمرها قد تجاوز بعد السادسة.

ويكفى هنا، أن أقول نقلا عن دليل المشاهير فى أمريكا طبعة 1937، انه فى حين خصص لايليانور روزفلت زوجة رئيس الولايات المتحدة واحدا وعشرين سطرا من الدليل ولنجمة النجوم “جريتا جاربو” أحد عشر سطرا، كان ما خصص منها للطفلة “تمبل” تسعة عشر سطرا، أى أقل من حرم رئيس الجمهورية بسطرين فقط، وأزيد من نجمة النجوم بثمانية أسطر.

ويكفى كذلك أن أذكر، نقلا عن كتاب ” الأطفال النجوم” لصاحبه “نورمان زيرولد”، أن الهدايا التى جاءتها من جميع أرجاء العالم، بمناسبة عيد ميلادها الثامن، وصل عددها الى مائة وخمس وثلاثين ألف هدية حقا، أصبحت معبودة الجماهير، بدءا من فيلمها “قف وقم بالتصفيق” (1934)، حيث “مثلت وغنت ورقصت”، لا فرق فى ذلك بينها وبين الكبار، الأمر الذ اعتبرت معه طفلة معجزة.

وفى الفترة ما بين 1934 الى 1938 أصبح ثمة ما يسمى بهوس شيرلى تمبل الجماعي.

فأطلق اسمها، ووضعت صورتها على العديد من المنتجات من أجل زيادة مبيعاتها، كعرائس الأطفال وكراسات التلوين والمشروبات.

واعترافا من الأكاديمية الأمريكية لعلوم وفنون السينما بمساهمتها فى امتاع الجماهير، أهدتها جائزة أوسكار خاصة، باسم جائزة الطفولة (1935).

وكالمعتاد بالنسبة للنجوم الأطفال، ما أن أصبحت صبية سنة 1939، حتى بدأت أفلام “تمبل” تجد صعوبة فى الاحتفاظ بإقبال الناس على مشاهدتها.

وما أن أكملت عامها الحادى والعشرين، حتى كان نجمها قد أفل فعلا، وأصبح جزءا من ذاكرة السينما.