عروض الاوبرا بالمسرح الصغير اول الغيث

فن الاوبرا ليس له عندنا في ربوع مصر، مثل خط أنواع فن الموسيقى الاخري. 

فعدد المولعين به، المقبلين بشغف على مشاهدة ثماره أقل من القليل.

وأرجح الظن ان ذلك يرجع إلى ان أغلب الموسيقى التى نستمع إليها لم تبلغ من العمق ما يجعلها جديرة بالانصات الخاشع، بل ان ضحالتها لاتترك لها فى نفوسنا الا مكانا ضيئلا، وبحكم ذلك ليس فى وسعها ان تشغل كل انتباهنا، وتملأ كل فراغات أنفسنا.

وليس غريبا، وحال الموسيقى فى غالبها الاعم هكذا، ان يجنح الكثيرون منا إلى وصف الغناء التركي، لاسيما ما كان منه متصلا بالغناء الاوبرالى بانه “صراخ”.

ومن طبائع الامور الا يقبل الناس، مع سيادة ذلك الوصف المؤسف للغناء الغربى عامة، على مشاهدة أعمال قوامها الصراخ فقط ولاشىء آخر متصل بفن الموسيقي، القائم اساسا على ايقاع جوهره تنظيم لبه الزمان.

وليس غريبا، فى ذلك الوضع الموسيقى المترديا، ان تنحصر معرفة حتى ذلك النفر القليل الذى لايزال مولعا بالاوبرا، فى عدد محدود من الإبداعات الاوبرالية، لقلة من المشاهير، مثل روسيني، فيدي، بيزيه و “بوتشينى”.

ومن بين تلك الابداعات أذكر “حلاف اشبيلية” “عايدة”، “لاتراڤياتا” (غادة الكاميليا)، (كارمن)، “توسكا” و “مدام بترفلاى”.

أما غيرها، حتى وان كان من ابداع عمالقة مشاهير مثل “بيتهوفن”، “بوتزار”، “ڤاجنر”، “سترافتسكي” و “بروكوفييف”.

فلا يعرف من امرها شيئا، وان كان ثمة معرفة بها، فلا تثير رغبة جامحة فى مشاهدتها، تدفع إلى اهتمام عام، يحرك مياه مستنقع الثقافة الموسيقية الراقدة فى مجال فن عريق، باق بقاء الزمن.

فمثلا أولى أعمال “ڤيردى” الاوبرالية المسماة “نابوكو” ظل أمرها مجهولا لى زمنا طويلا، اختفت فى اللاوعى حتى اصبحت، وكأن ليس ثمة وجود لها اصلا وفجأة، وأنا فى شمال المانيا، اتيحت لى فرصة مشاهدة عرض لها على خشبة مسرح رومانى اثرى وكذلك كان الحال، بالنسبة لاعمال اوبرالية أخرى، من بينها اخص بالذكر اوبرا “دون جيوفاني” (الدون جوان) لصاحبها “موتزار”.

فلولا اتيحت لى فرصة مشاهدتها مترجمة إلى لغة السينما فى فيلم من اخراج “جوزيف لوزي” اثناء عروض مهرجان كان، وذلك قبل نمو خمسة واربعين عاما ثم اتيح لى مشاهدتها مرة أخري، مسجلة على اسطوانة مدمجة.

لولا ذلك لما شاهدت لي، حتى يومنا هذا، واحدة من أهم الأعمال الاوبرالية التى ابدعتها عبقرية موتزار.

ولقد كان ممكنا لذلك الحرمان من الاستمتاع بفن الاوبرا ان يستمر طويلا، فيما لو لم يتم التعاقد، قبل نحو عامين بين دار الاوبرا بالقاهرة وبين دار المتربوليتان بنيويورك، على بث عروضها الاوبرالية الشهرية، عن طريق الاقمار الصناعية، بحيث تعرض، فى نفس الوقت، على شاشة كبيرة بالمسرح الصغير، الملحق بدار الاوبرا.

فبفضل ذلك التعاقد بين الدارين جرى عرض أكثر من عمل اوبرالى لموسيقيين كبار، مثل هاندال وشوستاكوفيتش، على شاشة المسرح الصغير لم يكن فى الامكان تصور مشاهدته عندنا فى أية مدينة من مدننا، لا فى المستقبل القريب، ولا حتى البعيد!!

وآخر تلك الاعمال التى عرضت على شاشة المسرح الصغير، متزامنة مع عرضها على خشبة مسرح المتروبولينان.

أوبرا “روسالكا” للموسيقار التشيكى “انطوفين دڤوراك” (1841- 1904).
rosalka

وهى عملة الاوبرالى الوحيد الذى حقق شهرة عالمية، أسوة ببعض مؤلفاته الاخرى لاسيما السيمفونية التاسعة (من العالم الجديد) وكونشيرتو الشيللو وثلاثى البيانو رقم 4 والرباعى الموترى رقم 12 والرقصات السلافية.

“وروسالكا” التى كان أول عرض لها على خشبة المسرح القومى ببراغ (1901).

وتعد مثالا للاوبرا ذات الطابع الرومانسي، الذى كان سائدا طوال الربع الاخير من القرن التاسع عشر.

فقصتها تدور حول حب رقيق بين جنية بحر تقع فى حب أمير فتتوق إلى ان تصبح مثله من بنى البشر، فلما يتحقق لها ذلك لايعادلها الامير حبا بحب، وينتهى الامر بفاجعة موت البطل، مثلما فى الكثير من أعمال الموسيقار “ڤاجنر”، المستوحاة احداثها، هى الاخرى من الاساطير والخرافات.

وختاما، حسبى ان أقول اننى استمتعت فى المسرح الصغير قبل بضعة ايام، باوبرا “روسالكا”، معروضة فى دار المتروبوليتان، بسماع أصوات عدد من الفنانين الكبار الذين يملكون مواهب فذة تضفى سعادة على كل من يستمع إليهم، وذلك أمر نادر فى هذه الأيام!!

١٢سنه عبدا في الطريق الي الاوسكار

مع إعلان الأكاديمية البريطانية للسينما وفنون التليفزيون اسماء الفائزات والفائزين بجوائزها، التي تعرف، اختصارا، تحت اسم »بافتا«، وذلك قبل بضعة ايام، لم يعد باقيا من الزمن، والحالة هذه، سوى سبعة أيام وتعلن الأكاديمية الامريكية لعلوم وفنون السينما، هى الأخري، اسماء من وقع عليهم الاختيار للفوز بجوائزها المسماة بالأوسكار. 

وارجح الظن انه لن تكون ثمة فروق الأقليلة، بين ماتوصلت إليه كلا الاكاديميين، البريطانية والامريكية من نتائج وفى شأن الجوائز للأعمال السينمائية التهى جرى عرضها على امتداد السنة الماضية فى ربوع كل من المملكة المتحدة والولايات المتحدة.

فيلم «12 سنة.. عبداً الذى ظفر، هو وممثله «شيويتال اجيفور» بجائزتى «بافتا» لأفضل فيلم وممثل رئيسي، ليس فى وسع أى فيلم آخر، من بين الأفلام الثمانية الاخرى المرشحة معه لجائزة الأسكار، أن يلحق به، صعودا إلى مستواه فى مضمار الاستحقاق لها، وانظفر بها فى نهاية المطاف.
12 years a slave

وكذلك الحال، فيمها يتصل بصاحب الدور الأول فى الفيلم «شيويتال اجيفور».

فبإستثناء «بروس ديرن» المتنافس معه على جائزة الأوسكار لأفضل ممثل رئيس، عن ادائه المتميز فى فيلم «نيبراسكا» للمخرج «اسكندر بين» ليس فى وسع أى من الممثلين الثلاثة الآخر المرشحين لتلك الجائزة، ان يصل إلى ذروة الكمال التى كاد يصل إليها الأثنان «ديرن» و»اجيفور».

ونطراً إلى سابقة فوز «ديرن» بجائزة أفضل ممثل فى مهرجان الأخير (2013)، فأغلب الظن فوز «اجيفور» بالأوسكار، استكمالا لفوزه بجائزة “بافتا”، وعدم فوز “ديرن” بها، اكتفاء بما حققه من فوز فى ذلك المهرجان الكبير وهنا لايفوتنى أن أذكر أن النجم “ليوناردو دى كابريو” قد خرج من مضمار التنافس على جائزة “بافتا”! لأفضل ممثل رئيسى مهزوماً أمام “ايجيفور” ذلك الممثل القدير الممثل المنحدر من أصول افريقية،.

ومن المعروف أى :ديكابريو» كان مرشحاً لتلك الجائزة عن ادائه فى فيلم «ذئب وول استريت»، الذى لم يحظ، هو الآخر، ولامخرجه “مارتين سكورسيزي” ولا أى ممن شاركوه فى صنعه، باية جائزة من جوائز «بافتا» .

خرجوا جميعاً من مضمار المنافسة على تلك الجوائز، صفر اليدين، على نحو غير مسبوق، بالنسبة لفيلم صاحبه مخرج مرموق، يملك رصيداً كبيراً منح روائع الأفلام.

وأغلب الظن انه لاهو ، ولا فيلمه، ولا بطله «دى كابريو» سيخرج من مضمار المنافسة القادمة، فائزاً باية جائزة اوسكار.

فالفيلم، واعنى به “ذئب وول ستريت” عمل سينمائى منفر، مقزز، يدفع المشاهد إلى الغثيان والمثير للدهشة ترشيحه أصلا للأوسكار ، جنباً إلى جنب مع روائع مثل “12 سنة عبدا” و”ينبراسكا” و”لها” و”فيلومينا”.

ومرة أخري، لايفوتنى أن اشير إلى فوز فيلم “جاذبية” بجائزة بافتا لأفضل فيلم، مما قد يذهب بالبعض إلى الظن، بأنه و”12 سنة عبداً” كلاهما فائزاً بجائزة الأكاديمية الكبري، ومن ثم فرسا رهان على قدم المساواة.

غير انه بإمعان النظر فى الجائزة الفائز بها “جاذبية” لتبين انها ليست الجائزة الكبري، وانما جائزة خاصة باسم “الكسندركوردا” أحد أشهر رواد السينما البيرطانية، تمنح لأفضل فيلم بريطاني.

يبقى لى أن أقول انه من بين الجوائز التى استوقفت نظرى وأكاد أجزم أن الفائزات والفائزين بها سيفوزون بالأوسكار، بعد بضعة أيام.

اولا جائزة افضل ممثلة رأسية التى فازت بها النجمة البارعة “كين بلانشيت” عن ادائها فى فيلم “ياسمين الرزقاء”.

ثانيا جائزة افضل فيلم رسوم متحركة التى استحقها بجدارة فيلم “ملكة الثلج”.

وختاماً جائزة افضل فيلم وثائقى طويل التى ظفر بها فيلم “تمثيل فعل القتل”، ويعتبر، بحق ، فيلما متميزا بكثير عن فيلم “الميدان”.

السينما بين تشاؤم عاصف وتفاؤل حذر

كانت، بوجه عام، سنة سعيدة، اتاحت لي، وهي على وشك الرحيل، ان اشاهد أربعة أفلم من روائع السينما العالمية، من بينها ثلاثة أفلام شاهدتها على الشاشة الصغيرة، دون أن اتحمل عناء الذهاب إلى حيث يعرض الفيلم على شاشة كبيرة، كما يراد له، كالمعتاد.

اما رابعها، فكان عرضه فى إحدى دور السينما، والسنة لم يبق بينها وبين الغياب نهائيا عن دنيانا، سوى بضع ساعات.

والأفلام الثلاثة هي

اولاً “الصيد”، لصاحب المخرج الدنمركى “توماس فينتربرج” ولقد سبق عرضه فى مهرجان كان (2012)، حيث فاز بطله “مادز ويكلسون” بجائزة أفضل ممثل وقبل، بضعة أيام، تأهل للمشاركة فى مسابقة الترشيح لجائزة أوسكار أفضل فيلم اجنبي، غير متكلم باللغة الانجليزية، ضمن القائمة القصيرة للترشيحات لتلك الجائزة، التى ضمت تسعة أفلام.
The Hunt

ومعروف أن تلك القائمة سيجرى اختصارها إلى خمسة أفلام، يوم السادس عشر من يناير الحالي.

ويحكى “الصيد” مأساة رجل فى الأربعين من عمره، يعمل فى دار للحضانة، بالريف الدنمركى ،حيث يجد نفسه، فجأة، متهما، من قبل طفلة، تزعم انه حاول الاعتداء عليها جنسيا!!

وبناء على اتهامه هذا، أصبح منبوذاً، حتى من أصدقائه الذين صدقوا الاتهام، دون محاولة معرفة حقيقية الأمر.

وهكذا، ومن خلال هوس جماعي، وجد المربى الفاضل نفسه ضحية فكرة خاطئة، استحوذت على عقول الناس فى قرية كانت إلى عهد قريب مكانا آمنا، فاذا به تمت تأثير، فرية، ولادليل عليها، يتحول الى مكان لايقيم الناس فيه وزناً للتفكير السليم..!!
the Past

هذا، عن الفيلم الاول “الصيد” فإذا ما انتقلنا الى الفيلم الثانى “الماضي” لصاحبه المخرج الإيرانى “اصغر فارهادي”، السابق لفيلمه “اانفصال” الفوز بجائزة أوسكار افضل فيلم اجنبى 2012، فيعرض لحياة امرأة فرنسية (بيريبتس بيجو) متزوجة من رجل ايراني، تطلب إليه المجيء إلى باريس لانهاء رباط الزوجية بينهما، حتى يكون فى وسعها الزواج. من حبيبها المقيم معها، ويؤدى دوره الممثل المنحدر من أصل تونسى “طاهر رحيم” يبقى الفيلم الثالث “الأزرق أكثر الألوان دفئاً”، أو “حياة اديل”، الحائز على السعفة الذهبية ، كبرى جوائز مهرجان كان (2013).

BLAU_posterRZ_02_Layout 1وقصته تدور حول فتاة مراهقة، تكتشف انوثتها شيئا فشيئاو حتى تصل إلى يقين أنها مثلية تمثيل الى جنسها من النساء، دون الرجال.

ومن خلال معاناة قصة حب، جمعت بينها وبين فتاة اخرى لها تجارب فى ذلك النوع من الحب يعرض “عبداللطيف فشيش” المخرج الفرنسى المنحدر من اصل تونسى لقصة الحب تلك، بجرأة قل ان يكون لها مثيل فى السينما غير الإباحية.

فما أكثر المشاهد العارية فى فليلمه، وما أكثر مشاهد المضاجعة التى تجمع الفتاتين.

وعن ادائهما لدوريهما، اشاد النقاد به، وبخاصة اداء الممثلة “اديل اكزار كوبولوس”.

وجدير بالذكر هنا، ان لجنة التحكيم التى منحت الفيلم سعفة كان الذهبية، كانت رئاسة “ستيفن سبيلبرج” المخرج الامريكى ذائع الصيت.

والآن الى الفيلم الرابع والأخير “الحياة السرية لوالتر ميتي”، لصاحبه المخرج والممثل “بن ستيللر”، اقول انى شاهدته بإحدى دور السينما، فى ظروف سيئة للغاية، لم يكن فى قاعة العرض، بسعة ألف مقعد، او يزيد، احد سواي.

لم أعتد على ذلك النوع المخيف من الوحدة، مما اضاع بهجة فيلم من نوع الملهاة، وكان ، والحق يقال، بئس ختام، لسنة سعيدة، أغلب ماحدث فيها، يدفع بنا الى التفاؤل الحذر.

وعلى كل، فالقدر المتيقن بالنسبة للسينما عموما فى ربوع مصر، انها تمر بوضع كارثي، اتمنى الا يستمر طويلا.