المومياء الفيلم الأول متصدرا جميع الأفلام العربية

كان أمرا مدهشا، جديرا بان يثلج صدري، ذلك النبأ الذي جاءنى من حيث لا احتسب. ومفاده خروج فيلم “ليلة حساب السنين”، المعروف لعامة الناس تحت اسم “المومياء”، فائزا بالمرتبة الأولي، بين جميع الأفلام العربية، نتيجة استفتاء جرى الأعداد له، انطلاقا من مبادرة خليجية، انفرد بها مهرجان دبى السينمائى الدولي.
mumia1

وكان الهدف المرسوم له اختيار أفضل مائة فيلم فى تاريخ السينما العربية بموجب تصويت مقصور على نقد من كبار النقاد يشاركهم فى ذلك نقد اخر من صانعى الأفلام، ومبدعيها على اوتداد الوطن العربى من الخليج الى المحيط.

أما لماذا كان نبأ فوز “المومياء”، بتلك المرتبة امرا مثيرا للدهشة، فذلك يرجع الى مناصبة الفيلم وصاحبه الكراهية والعداء، زمنا طويلا، على نحو أدى فى نهاية المطاف الى الحيلولة بين “شادي” وبين ابداع فيلمه الروائى الثانى “البيت الكبير” عن مأساة الفرعون الملعون “اخناتون”، حتى يصيبه الاحباط، فيجيئه الموت، ولما يكن له من العمر سوى ستة وخمسين عاما وهنا، لايفوتنى ان أذكر انه منذ العرض الأول للمومياء فى القاهرة، مر نحو نصف قرن من عمر الزمان والفيلم يعرض دوما على شاشات التلفاز فى الدول المتقدمة مثل فرنسا واليابان وسط شبه اجماع على الاشادة به من جمهرة النقاد. هذا فى نفس الوقت الذى كان يهمل شأنه فى مصر، وغيرها من الديار العربية.
mumia2فلا تتاح له فرصة أى عرض عام، ولا حتى فرصة أى تسجيل على شريط، أو اسطوانة مدمجة تليق بمستوى فيلم رفيع، حظى بالاستحسان شرقا وغربا.وكان من نتيجة ان كاد الفيلم ان يكون نسيا منسيا بين ركام هائل من أفلام لا تتقدم بها الدنيا قيد أنملة. ولولا حماس “مارتين سكورسيزي” المخرج المهموم بالتراث السينمائى العالمي، والحفاظ عليه من الغناء للمومياء والاشراف على ترميمه حتى عاد الى مستواه الفنى المبهر السابق على التدهور الذى اصابه بحكم الاهمال البشع الذى تركه عرضة دون حماية، لعاديات الزمان.

لولا ذلك اى الحماس والترميم للفيلم لانتهى به الأمر، وكأن لم يكن، فيلما مجرد ذكرى من بين ذكريات تاريخ السينما ليس فى وسع أحد أن يراه منتشيا بعطر التاريخ.

والسؤال المطروح، بعد كل هذا لماذا عانى الفيلم وصاحبه كل ذلك العناء، دون جميع الأفلام المصرية الأخري.

وعندى أن تلك المعاناة منقطعة النظير انما ترجع الى ان المومياء فيلم مختلف خارج التيار السائد فى السينما المصرية، حتى يومنا هذا “فشادي” بحكم تميزه على غيره من صانعى الأفلام فى ربوع مصر بشيء جعله مخرجا فريدا ذلك الشيء هو اتقاء شرارة الشغف بتاريخ مصر القديم فى قلبه، لاسيما ما كان من ذلك التاريخ متصلا بعصور الفراعين.

وجد نفسه بفيلمه “المومياء”، مغردا وحيدا خارج سرب خساس الطير، المتحكم فى مسار صناعة السينما وحتى هذه الساعة لايزال بضراوة متحكما.

أمية سينمائية جارفة

ليس ثمة تواصل بيني وبين معهد السينما، منذ أمد بعيد وبالتحديد انقطع أى تواصل، منذ عشرين عاماً، أو يزيد آخر ما أتذكره عن ذلك المعهد، هو اننى فجأة وجدتنى مكلفا من قبل هيئة التدريس به، بالقاء بضع محاضرات على طلبة الدراسات العليا.

وكان الموضوع الذى اخترته، مؤثراً له، ان تدور حوله المحاضرات وجودا وعدما. فلا تحيد عنه أبدا، هو السينما قبل فيلم “المواطن كين” (1941)، كيف كانت وكيف بعده ، وتحت تأثيره، أصبحت أكثر عمقاً، وتعبيراً، لاتقل فى منزلتها الفنية، عن روائع الادب العالمى .

اما لماذا الإيثار له على غيره من الأفلام الكثيرة السابقة على ابداعه، واللاحقه له، بوصفة علامة فارقة فى تاريخ الفن السابع، فذلك لانه بقى متربعا على عرش السينما، سيدا للأفلام، سنوات طوال، نتيجة اكثر من استفتاء لجمهرة النقاد.

وحتى عهد قريب، استمر على هذا النحو، متقدما على غيره من الأفلام، راسخة قدميه فى القمة، لاينازعه فى تسيده عليها أى فيلم آخر، بدءا من اختراع السينما، قبل قرن، وربع القرن إلا قليلا ولان “المواطن كين”، كان أول فيلم لصاحبه “اورسون ويلز”، الذى لم يكن له من العمر، وقت اخراجه له، سوى ستة وعشرين عاما وما لبث، بعد عرض فيلمه ، وترشيحه ، للعديد من جوائز الأوسكار ان أصبح علما من اعلام السينما، ورجحت كفته عالميا على كثير من عمالقة هوليوود، فى ذكل الزمان.
citizan kane

رأيت فى الملائم، ان تستهل اولى المحاضرات بحوار حول ذلك الفيلم الاول، وصاحبه الذى أصبح بفضل اخراجه له على نحو غير مألوف فى تاريخ السينما، نجما لايشن له غبار.

وما أن بدأ الحوار، حتى تبين لي، ولدهشتي، أن جميع الطلبة، فيما عدا طالب واحد، لم يشاهدوا الفيلم، رغم سابقة عرضه على شاشة التلفاز، مصحوبا بترجمة عربية.

وان لا أحد آخر منهم، دفعه حب الاستطلاع إلى مشاهده أى فيلم آخر للمخرج الأشهر.

ومرت الأيام ، اعواما بعد اعوام، أثناءها اخذت صناعة السينما فى التدهور شيئا فشيئاً .

ولم يكن التدهور امراً غريبا، وقد امتنع الدارسون للسينما فى ربوع مصر، عن مشزهدة روائع مشاهير صناعى الأفلام، فى مشارق الأرض ومغاربها، مكتفين، كما قيل لى عن طلبة معهد السينما، بمشاهدة المسلسلات ، بديلا للأفلام !!

وهنا ، لايفوتنى ان اقول، انه مما ساعد على ذلك على ذلك التدهور، وماتبعه فى انحدار مؤد للانهيار، افتصار العروض فى دور السينما على ساقط الأفلام، شكلا وموضوعا بحكم بقاء رقابة متحجرة، راسخة، على قيد الحياة، لاتقيم وزنا لحرية التعبير.

وبحكم امتناع الشركات السينمائية ، عن شراء حق توزيع الأفلام الجادة التى تضيف شيئا جديداً إلى فن السينما.

والأمثلة على ذلك كثيرة، اذكر ، من بينها، أفضل عشرة أفلام ، فازت بالاسد الذهبي، فى مهرجان فينيسيا على مدار سنوات ذلك المهرجان فى رأى نفر من النقاد الفرنسيين.

فماذا كان مصير الأفلام العشرة المختارة فى ربوع مصر؟

لم يعرض منها، عندنا، وفى اضيق الحدود، سوى فيلمين “العاب ممنوعة” و”معركة الجزائر”.

اما الأفلام الثمانية الاخري، فلم يعرض أى منها عرضا عاما، ولاحتى خاصا، الى يومنا هذا!!

منتدي الأفلام الهابطة

لم أفكر ، يوماً، في ان يكون لى موقع اتصال اجتماعى “فيسبوك”، اكتب فيه ما اشاء، وقتما أشاء
ولاغير ذلك من مواقع شبيهة، قل “موقع تغريدة”، حيث كتب بإيجاز، ماقد يعتد لى من أفكار، فى شكل تغريدات.
وقد يبدو ذلك السلوك من جانبي، أمراً غريباً، مخالفا لروح العصر، لاسيما ممن كان مثلي، كثير الحديث عن ثورتى المعلومات والاتصالات، وما احدثناه من تأثير كبير فى اسلوب حياتنا الآن وماستحدثاه من تأثير لايرد على بال، فى مستقبل الأيام ولكن سلوكى على ذلك النحو، وان بدا غريبا، خارجا عن المألوف ألا أنه امر طبيعي، منسق مع كبر السن، مما جعلنى غير مؤهل للمشاركة فى الكثير من النشاطات، وليدة العصر الحديث، عصر الرقميات الذى جعله من الجميع مذيعين، لهم أمكنه يذيعون منها مايحلو لهم من أفكار وآراء، دون حظر من رقيب.
كل ذلك ورد على بالي، انطلاقا من مقال كاشف للصحفى الصاعد، الواعد “جمال ابوالحسن”.
جاء فيه من بين جاء. ان ثمة منتدى على “الفيسبوك”- موقع التواصل الاجتماعي- وان عدد اعضائه يقترب من الألف.
وهم. أى أعضاء ذلك المنتدي، يحتفلون، بما سموه الهبوط فى السينما المصرية، من خلال الأفلام المبتذلة، والرديئة.
وهم فى رفضهم أو لفظهم لها، لاينطلقون من منصة اخلاقية، متبنية شعار الحفاظ على حسن الآداب بل انهم، على العكس من ذلك تماماً، يحتضنون ذلك النوع من الأفلام، يفتشون عنه، يحتفون بابطالة المغمورين منهم، قبل المشاهير
ولحسن حظهم ان الأفلام الهابطة، متوافرة، العثور عليها ليس امراً صعباً.
فإنتاج السينما المصرية، كما هو معروف، كاسح فى حجمه، وتأثيره.
ولكنه، لسوء خطنا، فى مجمله فيه من الابتذال الشىء الكثير.
انه، باختصار، يعانى من الحكايات الزاعقة، والحبكات المكررة، والمواقف غير الواقعية، والأفكار المبتذلة.
فافلامه تجنح، فى مجموعها الى الاستسهال والابتذال والافتعال.
وظاهرة الاستسهال تبدو واضحة، فى إعادة تدوير الحبكات، باستمرار ، وتنميط الشخصيات والافكار، وتسطيحها.
اما الإبتذال الافتعال، فيتجسدان فى كل ما يخاصم الذوق السليم، فى اللفظ، او الملبس الخادش للحياء، بحيث نشعر أن كل شيء ليس فى موضعه، كل شيء سخيف ومفتعل، ومقرف، ومثير للاشمئزاز .
وكل هذه العورات التى ادمنتها السينما عندنا، لاتزعج أعضاء المنتدي، بل يعتبرونها جزءاً مبهجاً من صناعة السينما، ومادة للتندر والتفكك.
واهتمامهم على هذا النحو بالأغلام الهابطة، أدى بهم إلى اهتمام مماثل بالممثلين المغمورين.
فالأفلام لاتقوم فقط على النجم
ثمة حاجة دائما لأطباء وقضاه ووكلاء نيابة، واوغاد ومغتصبون.
ومن ثم، ثمة حاجة نسيدة
والمنتدى يسلط الضوء على الركاكة وانعدام الجدية فى السينما.
ولكن بنظرة ساخرة وبروح مرحة.
وإلى هذا المعنى تشير الكلمة التعريفية بالمنتدي
“هذه ليست مجموعة للسينما النظيفة، ولاهى مجموعة لمناقشة انحدار الأخلاق والذوق العام.
لسنا هنا للتريقة والتحقير من شأن الهابطين الذين طالما رفهوا عنا، ونحن لهم ممتنون.
سنحتفل بالأفلام التى تبهرنا بوحاشتها وفشلها.. يظل لى ان اقول متسائلا ، اليس كل هذا ينطوى على اكثر من دليل، على ان من كان فى مثل سنى ليس له مكان فى مواقع الاتصال الاجتماعى والتغريدات فهى لاجيال جديدة، غير جيلى الذى عفا عليه الزمان؟