هؤلاء غادرو دنيانا

رحلت السنة مخلفة وراءها موتي كثر من مشاهير نجوم الفن السابع، من بينهم أذكر بضعة أسماء، قرين كل واحد منها عمره وقت مغادرته دنيانا؛ لعلي بذكرها أرد لهم الجميل في مثواهم الأخير، وها هي الأسماء:
١) الممثل المصري ممدوح عبد العليم. (٥٩)
٢) الممثل والمغني البريطاني دافيد بووي. (٦٩)
٣) الممثلة المصرية فيروز. (٧٢)
٤) المخرج المصري محمد خان. (٧٣)
ه) الممثلة المصرية زبيدة ثروت. (٧٦)
٦) الممثل المصري محمود عبد العزيز. (٧٠)
٧) الممثلة الأمريكية فلورنس هندرسون. (٨٢)
٨) الممثلة الأمريكية زازا جابور. (٩٩)
٩) الممثلة الأمريكية كاري فيشر. (٦٠)
١٠) الممثلة الأمريكية ديبي رينولدز. (٨٢)

وأقف قليلا عند النجمتين “فيشر” و”رينولدز” لأقول إن الأولي ابنة الثانية، وقد جاءت وفاتها قبل أمها، التي سرعان ما لحقت بها، فغادرت هي الأخري دنيانا ولما يمض علي وفاة ابنتها سوي بِضع ساعات.
ومما يعرف عن سيرة “فيشر” في عالم الأطياف، أن الشهرة جاءتها بفضل أدائها دور “ليا” بطلة أفلام حرب النجوم. أما أمها، “رينولدز” فترجع حياتها السينمائية إلي الفترة الذهبية لأعمال تتصل بالفن السابع عرفت تحت مسمي الملهاة الموسيقية. وأثناء تلك الفترة، اسند إليها الدور النسائي الأول في فيلم “الغناء تحت المطر” إخراج “جين كيللي” مشاركة مع “ستانلي دونن” ( ١٩٥٢ ). وكم كان تقمصها لشخصية “كاتي” في ذلك الدور رائعا، حيث أدته، والحق يقال، أمام “جين كيللي” الذي جمع بين الإخراج وأداء دور “دون لوكوود” في الفيلم، أدته بامتياز رفعها إلي أعلي عليين.
وختاما لا يفوتني أن أقول إن الفيلم درة بين روائع الملهاة الموسيقية، قل أن ترقي إلي مستواه حتي روائع ذلك النوع من الأعمال السينمائية، ومن هنا كثرة الإقبال علي مشاهدته حتي يومنا هذا، فلا أحد من متذوقي أفلام الملهاة الموسيقية يمل مشاهدته مرارا و تكرارا.

منشور أم فيلم ضَل الطريق؟

والفيلم الضال صاحبه المخرج يسري نصر الله, واسمه “بعد الموقعة”.
وهو فيلم ليس كغيره من أفلامنا، صاحبته ضجة إعلامية كبيرة، لايزال صداها يرن في آذاننا حتي يومنا هذا، فكالمعتاد بالنسبة لأفلام صاحبه، زف إلي المصريين خبر أن “بعدالموقعة” قد جري اختياره ليكون من بين عروض مهرجان كان، وأن عرضه لن يكون في الأقسام التابعة لذلك المهرجان، وما أكثرها، وإنما سيكون ضمن عروض المسابقة الرسمية التي تختتم بتتويج الفيلم الفائز بالسعفة الذهبية، كبري جوائز المهرجان، وبذلك يكون أول فيلم مصري تتاح له فرصة العرض في المسابقة منذ “المصير” فيلم يوسف شاهين.
واستمرت الضجة صاخبة عند عرض الفيلم في المهرجان الكبير، وصعود صاحب الفيلم في صحبة بطليه
“باسم السمره” و “منة شلبي”، وتحت أقدامهم البساط الأحمر، إلي قاعة العروض الكبري حيث يري جمهور السينما العالمية “بعدالموقعة”.
ومع اقتراب ليلة ختام المهرجان، حيث تعلن أسماء الأفلام الفائزة، قيل من بين ما قيل، إن الفيلم لا بد فائز بالسعفة الذهبية، أو علي الأقل بجائزة التحكيم الكبري، أسوة بفيلم “فهرنهايت٩/١١”.
فلما خرج من المهرجان صفرا من الجوائز، لم يرجع صاحبه ذلك إلي مؤامرة حيكت خيوطها من الأعداء، وذلك علي غير المعتاد, هذا وقبل بضعة أيام طرح “بعد الموقعة” للعرض في دور السينما بربوع مصر.
وأخيرا، وفي إحدي دورالسينما بوسط البلد، أتيحت لي فرصة مشاهدته، في قاعة عرض انحصر المتفرجون فيها في اثنين فقط، كاتب هذه السطور وشخص آخر لاأعرف من أمره شيئا.
وبدأ الفيلم، كما قرأت عنه في العديد من الجرائد والمجلات ببطلته “ريم” (منة شلبي)، تسجل لأحداث ميدان التحرير، التي كان من بينها ما سمي ب “موقعة الجمل“, وبفضل مشاهدتها الفيديو المسجل لتلك الموقعة عدة مرات، استرعي انتباهها أحدالمشاركين في الموقعة وهو ملقي علي الأرض في الطريق إلي الميدان، بعد سقوطه من علي ظهر الحصان، وجمهور المتظاهرين يوسعه ضربا. وما أن وصل إلي علمها أن الممتطين للجمال والجياد قد جاءوا إلي الميدان من نزلة السمان، القرية الواقعة تحت سفح الأهرامات، حتي توجهت صوب تلك القرية، بحثا عن ذلك الشخص الذي أسترعي نظرها.
ومن أول لقاء معه “محمود” (السمره) وقعت في حبه ووقع في حبها، وفي ركن مظلم، بعيدا عن الأنظار، احتضنها في قبلة عميقة. وتتعقد الأمور كثيرا عندما يتبين لنا أنها؛ أعني”ريم” مطلقة، أو ربما منفصلة عن زوجها، وأنها بنت ذوات تسكن في شقة فاخرة في حي الزمالك، وتلبس أغلي الثياب وأحدثها في عالم الأزياء، ويتبين لها أن”محمود” رجل متزوج وله أسرة من ولدين (ذكور).
وتمر أحداث الفيلم، هكذا طوال ساعة من عمر الفيلم وعمرنا دون أن يستبين لنا، ماذا يريد صاحب الفيلم، وكاتبا السيناريو (يسري وعمر شمة) بقصة الحب هذه، وما علاقتها بالميدان وأحداثه التي انتهت بسقوط مبارك ونظامه. وشيئا فشيئا يبدأ الغموض في الزوال اثناءالساعة الثانية والأخيرة من الفيلم. فالحب ينتهي إلي تعلق ريم بأسرة محمود ومحاولتها انتشال أفرادها، زوجة وأولادا من محنة الإنعزال، وعداء أهل نزلة السمان. وتتعدد وتتشابك، بين هموم تلك الأسرة، وأحداث الميدان وأحداث أخري، في شارع ماسبيرو، وأمام مبني التليفزيون الكئيب. وتزداد الخيوط تشابكا وتعقيدا بمحاولة ريم تحرير نساء القرية من رق الخضوع لإمرة الرجال، وفي نفس الوقت تحرير رجالها من قيود التمسك بتقاليد وأعراف عفا عليها الزمان.
ومع ذلك الإزدياد في التشابك والتعقيد، أصبح من الصعوبة بمكان انتزاع الخيط الأساسي الذي تدور حوله الأحداث وجودا وعدما.
وكان لابد مع كل ذلك، أن يكتب صاحب الفيلم ومؤلف السيناريو نهاية للفيلم مفتعلة كل الإفتعال، ومع بدء العناوين في الظهور علي الشاشة، خرجت من قاعة العرض وأنا أضرب كفا علي كف متسائلا: هل كنا في حاجة إلي كل ذلك التخليط، للدفاع عن القضايا التي يريد كلاهما الإنتصار لها؟

دفاعا عن فنان مفتري عليه

حملة شرسة علي وسائل التواصل الإجتماعي ، موجهة ضد الفنان القدير نجيب الريحاني ؛ وحتي الآن لا أعرف لها سببا.
rehani1ولأن الريحاني قد لعب دورا كبيرافي النهوض بكل من المسرح والسينما في ربوع مصر، علي مدار عدة عقود من عمر الزمان ، فقد كان لزاما علي أن أشارك في رد الإعتبار إلي سيرته من محاولات تلطيخها بأقوال مرسلة تفتقد الصدق ، ولا غرض منها سوي تحريف تاريخ الفن المصري الحديث ورواده الأوائل الكبار.
وتحقيقا لذلك لم أَجِد خيرا مما جاء في مقال للأديب المصري الأشهر عباس محمود العقاد، الذي نشر في مجلة الكواكب قبل حوالي سبعين عاما، وتحديدا في عدد يوليو من عام ١٩٤٩، تحت عنوان “رجل خلق للمسرح”.
وأكتفي ببضع فقرات من ذلك المقال الرائع، تشيد بعبقرية الريحاني مع بيان ماهيتها.
وهكذا تجري بعض الفقرات المختارة من ذلك المقال، وأبدأ بالفقرة التي استهل بها المقال وتجري علي النحو الآتي :  نجيب الريحاني الممثل الوحيد الذي أستطيع أن أقول إنني عرفته من الوجهة الفنية معرفة كافية لتقديره ونقده، لأنني رأيته في جميع أدواره التي مثلها منذ ظهوره علي المسرح العربي في أثناء الحرب العالمية الأولي، فلا أذكر أن رواية واحدة من رواياته  فاتتني طوال هذه المدة، ومنها  ما شهدته  مرة بعد مرة، لأنه الممثل الذي يغنيك تمثيله أحيانا عن موضوع التمثيل.
وهذه هي طبيعة الأداء في الفن الجميل.
والآن إلي بضع فقرات من المقال أكد بها العقاد عبقرية الريحاني، وأبدأ بفاتحتها:
الأثر الذي تركه هذا الفنان القدير في نفسي من أدواره المتعددة أنه رجل خلق للمسرح، ولم يخلق لشيء غيره.
ومن آيات ذلك ما جاء ذكره في الفقرات التالية، أقف عند بعضها فقط لضيق المجال، وها هي كاملة:
هو علي المسرح كالسمكة في الماء، دخوله إليه وحركته عليه وكلامه وسكوته وإيماؤه وقيامه وقعوده طبيعة من صميم الطبيعة تنسيك كل تكلف يحتاج إليه الفنان حين ينتقل من العالم الخارجي إلي عالم الفن والرواية.
وليس ينطبق عليه في هذه الحالة أن تقول إنه يلبس دوره أو إن دوره قد استولي عليه، فالواقع أنك تنسي الإزدواج بين شخصية الدور وشخصية الممثل حين تنظر إليه، كأنهما وحدة لا تسمح بالإزدواج، وهذه المزية  الكبري في فن التمثيل “مزية الفناء في الشخصية  المسرحية” تأتي علي ما أعتقد من طريقين:  إحداهما قدرة تنويمية كأنما ينوم الممثل نفسه تنويما مغناطيسيا لإيحاء الشخصية إليها وصرفها في حالة التنويم عن كل ما عداها.
والأخري سهولة السليقة أو سهولة إرسال النفس علي سجيتها، وهي طريقة الفنان الذي يحب نوعا معلوما من الشخصيات يتلبسه بسهولة وبغير كلفة.
واستغراق الريحاني في طبيعة دوره كان ينسيه نفسه وينسيه جمهوره. ولو أنك تخيلت الدار خالية من النظارة ، لما تخيلت له أسلوبا غير أسلوبه المألوف في تمثيله،  ولعله من الآحاد المعدودين الذين مثلوا علي المسرح ومثلوا في الصور المتحركة دون عنت أو مشقة في كلا الحالتين.
ورسالة الريحاني وراء الستار لا تقل عن رسالته أمام الأنظار، فلم يكن هذا الممثل النابغ ممثلا علي المسرح و كفي بل كان معلما للمثلين، ومعلما كذلك للمتفرجين .
وختاما يبقي لي أن أذكر بالرائعة السينمائية  “غزل البنات” التي لعب فيها الريحاني الدور الرئيسي، وكان آخر دور له في دنيانا، وكان والحق يقال  مسك الختام.
rehani2