عوكل تهريج وكاريكاتور رخيص

ذهبت لرؤية فيلم محمد سعد الجديد “عوكل” وأنا أتوقع أن أشهد مزيداً من النجاح، ربما يفوق نجاح “اللمبي” الفيلم الذي جعل منه نجماً.
ولكن “عوكل” خيب ظني، إذ كان مستواه الفني أقل كثيراً من مستوى “اللمبي”، وبالطبع أقل من مستوى “اللي بالي بالك”، ثاني فيلم تسند له بطولته، دون شريك.

سذاجة وتلفيق
والمسئول عن ذلك- في رأيي- هو القصة الملفقة التي يقوم عليها بناء الفيلم أولاً، والسيناريو الساذج الذي حولت إليه القصة ثانياً، وعدم اهتمام المخرج “محمد النجار” بأن يحرك محمد سعد على النحو المتعارف عليه في لغة السينما.
والواقع أن قصة “عوكل” قصة تافهة، سبق للسينما، في مشارق الأرض ومغاربها، أن تناولتها في العديد من الأفلام.
أخيار وأشرار
القصة صراع عادي بين الخير والشر.
الخير متمثلاً أولاً في الشخصيتين اللتين يتقمصهما محمد سعد في الفيلم. شخصية “عوكل” سمكري السيارات وشخصية جدته العجوز، البذيئة اللسان.
وثانياً في شخصيتي “نور” التي تقع في حب “عوكل” رغم أنه غريب الأطوار و”حسن حسني” “أبو نور” اليتيمة من الأم، التي جاءها الموت فجأة إثر حادث أليم.
أما الشر فيمثله “طلعت زكريا” شقيق خطيبة “عوكل” المقامر بمال الأخير والمتاجر بأخته، يبيعها لأكثر من خطيب، ويمثله كذلك “سامي العدل” بوصفه زعيم عصابة من عتاولة الإجرام. وبطبيعة الحال، ينتهي هذا الصراع بتغلب الأخيار على الأشرار.
ولكن بعد مفاجآت وأحداث كثيرة ومثيرة لجمهور يؤثر أن يضحك ويكركر ولا يفكر.
ولن أعرض لقصة الفيلم بالتفصيل، فذلك شيء يطول، دون أن يفيد وإنما اكتفي بأن أقول.
أولاً أن كاتبي السيناريو سامح سر الختم ومحمد نبوي، افتعلا – والفيلم يقترب من منتصفه – واقعة في الطريق، أتاحت لهما أن ينتقلا “بعوكل” دون أن يدري، من القاهرة إلى تركيا، وبالتحديد اسطنبول، عاصمة خلافة آل عثمان في سالف الزمان.

خيبة الأمل
وكالمعتاد في أفلامنا التي ينتقل صانعوها بأحداثها من مصر إلى ربوع أوروبا أوغيرها من القارات، لم يستطع صانعو”عوكل” أن يصوروا من المعالم الأخاذة في عاصمة الخلافة، إلا أقل القليل.
فبدت بعض المشاهد، وكأنه قد جرى تصويرها في بر مصر.
تركيا أم يونان
والأغرب، والمثير للعجب العجاب أن أكثر من مشهد في الفيلم إنما يوحي بأن تركيا بلد ليس دينه الإسلام.
فأول مشهد على أرض تركيا، عبارة عن بضع لقطات لموعظة يلقيها أحد القساوسة أمام جمع من المعزين.
وفي مشهد آخر، حيث يحضر “عوكل” حفل زفاف مع “نور”، يلاحظ بروز بطن العروس، على نحو يوحي بأنها حامل في الشهر الأخير.
وعندما يبدي دهشته مستفسراً، تجيب “نور” على استفساره قائلة أن العروس حامل بالفعل، وهذا أمر طبيعي لأن العادات والتقاليد هنا، أي في تركيا، تبيح للفتاة أن تحمل حتى قبل عقد القران.

تقدم إلى الوراء
ثانياً أن “محمد سعد” يدور حول نفسه كممثل، وشيئاً فشيئاً– يتقهقر إلى الوراء، توقعت له أن يتقدم إلى الأمام، كما تقدم “جيم كاري” في هوليوود، حيث بدأ مشواره مع السينما مهرجاً.
وسرعان ما تحول إلى ممثل قدير في “استعراض ترومان”، إحدى روائع العقد الأخير من القرن العشرين.
ولسوء الحظ خاب توقعي فليس لمحمد سعد في “عوكل” شغلة أو مشغلة إلا امتحان صبرنا، بمزيد من الإلحاح والمبالغة في الأداء، بقصد أوحد هو التهريج والكاريكاتور الرخيص.

جحيم أم جنة نعيم

لم يختلف النقاد حول فيلم مثلما اختلفوا حول “مملكة الجنة” لصاحبه “ريدلي سكوت” ذلك المخرج البريطاني الذي سبق له إخراج “المصارع” فيلمه المتوج، قبل بضعة أعوام، لأكثر من جائزة أوسكار.

فالبعض قال في “مملكة الجنة” ما قاله “مالك” في الخمر. والبعض الآخر صعد به هو ومخرجه إلى أعلي عليين.

الضجة الكبرى.. لماذا؟

والسؤال لماذا هذا الخلاف، وعلام هذه الضجة الكبرى التي أثيرت حوله بدءًا من لحظة عرضه عالمياً قبل بضعة أيام.

المقصود “بمملكة الجنة” في الفيلم، مدينة القدس، وما حولها من أرض فلسطين، تحت حكم الصليبيين، وذلك قبل الحملة الصليبية الثالثة بقليل.

ففي ذلك الزمن الموغل في القدم وجيش صلاح الدين الايوبي (يتقمص شخصيته الممثل السوري “غسان مسعود” يدق أبواب القدس (اورشليم) يشتد الصراع بين جبهتين. أحدهما مكونة من غلاة الغزاة الصليبيين وغلاة المحاربين العرب.

انتصار أعداء السلام

فكلاهما يسعى إلى التخلص من الهدنة الهشة الموقعة بين الملك “بالدوين الرابع”، المريض بالجذام (يتقمص شخصيته النجم “ادوارد نورتون” الذي أخفى وجهه المشوه بالمرض وراء قناع فضي) والقائد “صلاح الدين”.

أما الجبهة الأخرى فمكونة من أنصار السلام في الجانبين المتنازعين. وهم، عكس الغلاة المتشددين يسعون جاهدين من أجل الحفاظ على تلك الهدنة، حقناً للدماء.

ولكن سعيهم، بسبب مؤمرات غلاة الصليبيين يبوء بفشل ذريع. فيزحف جيش صلاح الدين الجرار نحو مدينة القدس وما هي إلا أيام حتى يحكم عليها الحصار.

الخروج بأمان

وبعد معارك طاحنة بين جيشه والمدافعين عن المدينة المحاصرة، تحت قيادة “باليان” الفارس المغوار (يؤدي دوره اورلاندو النجم الصاعد الواعد) يدخلها جيش صلاح الدين منتصراً، ويخرج منها الصليبيون، نساء وأطفالاً ورجالاً، سالمين بعد أن أعطاهم القائد المنتصر الأمان.

ويعود “باليان” إلى وطنه فرنسا وقد عاهد النفس، بعد أن آمن بعالم واحد، متناغم، رغم اختلاف العقائد والأديان، عاهدها على ألا يسفك الدماء، وأن يكون دائماً وأبداً رجل سلام.

روعة المعارك

والأكيد أن مشاهد الفرسان، وهم على ظهر جيادهم يتبارزون، ومشاهد المعارك، خاصة ما كان منها متصلاً بحصار القدس (اورشليم)، قد تبدت منها براعة “ريدلي سكوت” في تصوير المجموعات وهي تتقاتل بوحشية، ودماء رجالها تتناثر حبات صغيرة، تعطي الاحساس بهول الأحداث.

يبقى لي أن أقول أن “اورلاندو بلوم” كان عكس قول نفر من النقاد، رائعاً في دوره كحداد في بداية الفيلم، ثم كفارس لا يشق له غبار.

ولقد ساعدته ملامح وجهه البريئة على أداء دور الإنسان الذي يعاني أزمة ضمير، والباحث عن عالم مثالي، يسوده السلام!!

البرئ.. فيلم جرئ

الأفلام التي تحفظها ذاكرة الأيام، أقل من القليل و”البرئ” واحد من تلك الأفلام القليلة، وذلك لأنه فيلم له تاريخ وأي تاريخ!!

فهو الفيلم الوحيد في تاريخ السينما المصرية الذي شاهده ثلاثة وزراء مجتمعين، كي يقرروا مصيره، يرخص له بالعرض العام أم لا.

رقباء ووزراء

وفي حالة الترخيص له بذلك، هل يتاح له أن يعرض كاملاً أم ناقصاً، أي محذوفاً منه ما قد يراه الوزراء الثلاثة (الدفاع، والداخلية، والثقافة) مهدداً للنظام العام.

ومعروف أنهم أجازوا عرض “البرئ” ولكن بدون لقطة الختام، تلك اللقطة التي انخلعت لها قلوب الرقباء من الخوف، مما كان سبباً في رفع الأمر إلى الوزراء الثلاثة، ليفصلوا فيه، بما يحقق الصالح العام.

ومنذ تسعة عشر عاماً، و”البرئ” لا نشاهده إلا ناقصاً، بدون تلك اللقطة المحذوفة تنفيذاً لأمر هؤلاء الوزراء.

والآن، وقد مرت الأيام أعواماً بعد أعوام، ها هو ذا “البرئ” بفضل أرشيف السينما، حيث توجد نسخة كاملة من الفيلم يعرض كاملاً، بلقطة الختام هذه التي سببت رعباً للرقباء، وازعاجا للوزراء في حفل افتتاح المهرجان القومي الحادي عشر للسينما المصرية، الذي بدأت فعالياته، قبل بضعة أيام.

أعداء الوطن أم النظام

الفيلم صاحبه “عاطف الطيب” ذلك المخرج الذي رحل فجأة عن عالمنا، قبل عشرة أعوام. وهو سابع أفلامه، وأغلب الظن أنه أفضلها جميعا.

وسيناريو “البرئ” هو الآخر من أفضل ما أبدعه خيال “وحيد حامد” علي مر السنين. أراه سيناريو محكم البناء، يقطر شجناً وحنيناً إلى ماضٍ ثوري لن يعود.

وأحداثه تبدأ “بأحمد سبع الليل” الفلاح الساذج، القليل الوعي والذكاء (يؤدي دوره النجم الراحل أحمد زكي)، وقد جاءه أمر استدعاء لأداء الخدمة العسكرية.

ولأنه في حيرة، لا يعرف لهذا الأمر سبباً، فقد استفسر من صديقه حسين الطالب الجامعي (ممدوح عبد العليم) عن سبب الاستدعاء، رغم أنه يعول أسرته الصغيرة وحاجتها إليه أكثر من حاجة الجيش، أجابه الصديق قائلاً أن استدعاءه يرجع إلى حاجة الوطن إليه للدفاع عنه ضد الأعداء.

إلا أنه ما أن وصل إلى وحدته المكلف جنودها بحراسة أحد معسكرات الاعتقال بالصحراء، حتى أخذ يدرك شيئاً فشيئاً أن معتقلي المعسكر، ليس كما قيل له أعداء الوطن. وأنما أعداء النظام.

لحظة الحقيقة

وجاءت لحظة الحقيقة الفاصلة عندما رأى، لدهشته، “حسين” صديق عمره في القرية معتقلاً، يضرب أمامه ضرب غرائب الإبل بسياط وعصي جنود غلاظ القلب.

فبدءا من تلك اللحظة، استبد “بسبع الليل” غضب جامح، وصل إلى الذروة في لقطة الختام، حيث نراه صارخاً، يحصد من أعلى برج الحراسة، برصاص مدفعه الرشاش أرواح قائد المعسكر، ومن معه من ضباط وجنود، كانوا في استقبال فوج جديد من المعتقلين.

يأس يائس

وعبث هذه اللقطة، وعدميتها أمر واضح وهي تدفع بالمشاهد إلى التشاؤم دفعاً شديداً، وإلى الاحساس بشيء من الضيق مبعثه التساؤل هل وصل اليأس بجيل الشباب إلى طريق ليس لها نهايات إلا مثل نهاية البرئ “سبع الليل”!!