شجرة الحياة

هذا فيلم درّة بين أفلام السنة التي علي وشك الرحيل، تراه أكثر من مرة، ومع كل رؤية يزداد استمتاعك به، جري عرضه في مهرجان كان الأخير، حيث خرج من مضمار التنافس علي جوائزه متوجا بجائزة السعفة الذهبية، وهو خامس فيلم ل«تيرينس مالك» ذلك المخرج الأمريكي المقل، إذ إنه علي امتداد أربعين عاما لم يبدع سوي خمسة أفلام.
tree of life1

وكعهدنا به لم يخيب «شجرة الحياة» ما علق عليه من آمال كبار فحرفة السينما فيه، قد وصلت الي ذروة عالية من البراعة فبفضل كاميرا المصور المكسيكي «إيمانويل لوبيزكي» رأينا أمثلة مذهلة علي براعة التصوير، وبفضل خمسة من أساطين التوليف «المونتاج» انسابت لقطات الفيلم تشع ملامح عدة عصور بعضها يرجع الي الانفجار الكوني الكبير الذي بدأ به عالمنا، منذ ملايين السنين وبعضها يرجع الي خمسينيات القرن الماضي وتحديدا في ولاية تكساس الأمريكية حيث تعيش أسرة «أوبرين» المكونة من عائلها «براد بيت» وزوجته «جيسيكا شيستين»، وأم أولاده،وهم ثلاثة ذكور وبعضها الآخر، ينتقل بنا الي زمننا المعاصر، في تلك الولاية، حيث يعمل أكبر الأولاد الثلاثة «شين بن» في عاصمتها «دالاس»، وبعضها الأخير والمفاجئ ينتقل بنا الي ما بعد نهاية زماننا.
tree of life2

كل ذلك ينساب بين تلك العصور زمانا ومكانا، ذهابا وإيابا، علي نحو بدت معه عصورا مكملة لبعضها البعض، وكأنه يجمع بينها انسجام خلاق، يسعي بالوجود الي مزيد من الصعود والارتقاء. يبقي لي أن أقول إن الفيلم بإيقاعه وجموحه وطموحه إنما يذكرني بفيلم «أوديسا الفصاء – 2001»، وإن كان والحق يقال أكثر منه دفئا.

كلمة أخيرة

عرض «شجرة الحياة» في مشارق الأرض ومغاربها فيما عدا عندنا، حيث الرقابة تزداد رسوخا علي مر الأيام، وربما يرجع ذلك الي غلوها في الحماس الي كل ما هو هابط الي حد الإسفاف وغلوها في العداء لكل ما هو رصين ومعبر عن حساسية عصرنا.

كف القمر

هذا الفيلم شاء له صاحباه المخرج خالد يوسف وكاتبه الأثير ناصر عبد الرحمن أن يكون فيلماً جماهيرياً ولكن لم يصادفهما التوفيق فيما شاءا، وذلك لأن “كف القمر” من ذلك النوع من الأفلام العصيه على فهم الناس العاديين فلابد لفهم رموزه، وفك ألغازه من مذكرة ايضاحيه يقرؤها المشاهد قبل بدء عرضه، وأن يكون مرفقاً بها ترجمة لحواره المكتوب بلهجة أهل الصعيد ولأنني شاهدته، دون أن أكون محصناً بمذكرة ايضاحية، وترجمة للحوار فقد غادرت دار السينما بعد مشاهدته ظاناً أنه فيلم يدور موضوعه حول المعذبين في أراضي أقصى الصعيد وكيف يضطرهم البؤس إلى الهجرة من الوادي الضيق إلى الشمال، بحثاً عن حياة أفضل تتيح لهم فرص التحرر من الفقر وربما الصعود والارتقاء.

ومن منطلق أن الفيلم يعرض لواقع الحياه المريرة في أقاصي الصعيد، من خلال معاناة أسرة تواجه بشجاعة عاديات الزمان جنح بي الظن إلى أن ثمة أوجه شبه بينه وبين فيلم “روكو وأخواته” لصاحبه “لوكينو فيسكونتي” المخرج ذائع الصيت، ورائد الواقعية الجديدة الايطالية وموضوعه يدور حول أسرة فقيرة من جنوب ايطاليا وتحديداً من جزيرة صقلية، دفعها بؤس الحياة في الجزيرة إلى الهجرة شمالاً حيث استقر بأفرادها المقام في مدينة “ميلانو” وحيث تعرضوا لمآسي يشيب من هولها الولدان ولكن خاب ظني عندما قرأت بعد ذلك ما جاء على لسان بعض من صانعي الفيلم من بينه قول النجمة وفاء عامر التي أدت دور الأم “قمر” أن تلك الأم ترمز في الفيلم إلى مصر والقومية العربية وقول المخرج أنه كان يفضل عرض فيلمه قبل الثورة، لأنه تنبأ بالهدم وإعادة البناء، مفسراً قوله هذا بمشهد الختام، حيث يقوم أبناء قمر الخمسة ببناء بيت الأسرة الذي كان قد تعرض لعوامل الهدم والتدمير.

والحق أنني لم أفهم “كف القمر” على هذا النحو الذي جاء على لسان نجمة الفيلم ومخرجه، فلم يكن في وسعي مهما شطح بي الخيال أن أفهم أن الأم “قمر” أنما ترمز لمصر وفوق هذا ترمز للقومية العربية وأن كفها بأصابعه الخمسه أنما يرمز إلى أبنائها الخمسة، ويدخل في عدادهم خالد صالح الابن البكر وعلينا أن نطلق عقولنا ونتصور وفاء عامر أماً لخالد صالح!!

وأن عودة الأبناء الخمسة عند وفاة أمهم إلى بيت الأسرة المدمر والاشتراك في بنائه طوبه طوبه إنما يرمز إلى إعادة بناء مصر بسواعد أبنائها الأبرار، وإذا كان ذلك هو المقصود أن نفهمه من سياق الفيلم، فالرسالة لم تصل إلينا نحن المشاهدين وذلك يرجع إلى الإسراف في الرموز إلى حد الافتعال الأمر الذي جعل الفيلم مشوباً بغموض غير مستحب في أي عمل سينمائي، لاسيما إذا كان يراد له أن يكون ثورياً جماهيرياً..

المسافر

هذا أول فيلم روائي طويل لصاحبه المخرج “أحمد ماهر” وأول فيلم تنتجه وزارة الثقافة بعد غيابها عن ساحة الانتاج المباشر زهاء ثلث قرن من عمر الزمان.

وأول فيلم يعتمد لانتاجة أكثر من عشرين مليون من عزيز الجنيهات، كما أنه من الأفلام المصرية القليلة التي أسند تصويرها لأجنبي هو المصور الايطالي “ماكو اونوراتو” فضلاً عن أنه ثالث فيلم في تاريخ السينما المصرية تتاح له فرصة العرض في مهرجان فينسيا الذي يعد بحق واحد من أهم المهرجانات العالمية وأكثرها تأثيراً في مسار السينما.

وفيلم انفرد بكل هذه المزايا كان لابد أن تعقد عليه آمال كبار لاسيما أنه من بين ممثليه وممثلاته كوكبه من نجوم السينما المصرية أخص منها بالذكر “بسمة” و”عمرو واكد” ونجم النجوم “عمر الشريف” وولده “حسني” أو ربما حفيده. ومع ذلك لم يتحقق شيء من تلك الآمال لا في مهرجان فينسيا حيث خرج “المسافر”من مضمار التنافس على جوائزه خالي الوفاق تاركاً الفوز بجائزته الكبرى لفيلم اسرائيلي اسمه “يا للعجب لبنان” ولا أينما جرى له أي عرض عام ويكفي أن أذكر هنا أن عرضه العام في البلد المنتج له مصر لم يتم إلا قبل حوالي أربعة أسابيع وذلك رغم أنه كان صالحاً للعرض العام منذ أكثر من ثلاثة أعوام.

والسؤال المطروح هو لماذا طارد الفشل فيلماً مهدت له كل سبل النجاح؟

بداية سيناريو المسافر من تأليف أحمد ماهر وذلك يعني أنه جمع بين كتابة السيناريو وبين إخراجه أي ترجمته إلى لغة السينما ونظرة طائرة على السيناريو يستدل منها على نحو لا مجال معه لأي شك أن صاحبه طموح وأن طموحه جامح يتجاوز قدرات سينمائي شاب ليس في رصيده من الأعمال السينمائية سوى بضع أفلام قصيرة لا تبشر بمولد مخرج صاحب رؤية متميزة، تدخله في عداد صانعي الأفلام العظام أمثال “اورسون ويلز” و”فرانسوا تريفو” و”جان لوك جودار” الذين لمع نجمهم من أول فيلم روائي طويل أبدعوه فكان ذلك إيذاناً بمولد مخرج سيكون له شأن كبير في مسار فن السينما فالسيناريو والحق يقال يتطلب حتى يتمكن تحقيقه في فيلم قيم مخرجاً في مقام “فيديريكو فيلليني” المخرج الايطالي ذائع الصيت وليس قبل مرحلة نضجه حين أصبح مؤهلاً لاخراج أفلام خارجة عن المألوف مثل “روما فيلليني”، إني اتذكر والسفينه تبحر وبطبيعه الحال لم يكن أحمد ماهر مؤهلاً والحاله هذه لاخراج المسافر وليس أدل على ذلك من خلو رصيده السينمائي من أي فيلم روائي طويل.

باختصار فشل المسافر يرجع أولاً وأخيراً إلى ان صاحبه أول ما شطح نطح كما يقال في الأمثال. يبقي لي أن اقول أن اختياره “خالد النبوي” كي  يلعب دور البطولة في المسافر اختيار لم يصادفه التوفيق، فمن الصعوبة بمكان إن لم يكن من المستحيل التعاطف معه في أية محنة يمر بها لاسيما أن الفيلم يبدأ به وقد اغتصب البطلة “سيرين عبد النور” وسوء الاختيار هذا ينصرف كذلك إلى عمر الشريف الذي أسند اليه دور خالد النبوي حسن في الفيلم عندما وهن العظم منه واشتعل رأسه شيباً فهو بدوره لم يكن مقنعا في أدائه للدور، كان يبدو مجهداً يتحرك كالدومي بلا روح وكأنه يؤدي واجباً ثقيلاً.

ولن أعرض لموضوع الفيلم فذلك شيء يطول مكتفياً بأن أقول بأن أحداثه مفتعله أشد افتعال عجز صاحب الفيلم عن أن يقدمها بجلاء ومنطق واضح فضلاً عن عجزه عن أن يبعث فينا نحن المشاهدين الاحساس بمأساة حسن في صورها المختلفه بدءًا من سنة 1948 مروراً بسنة 1973 وانتهاء بسنه 2001.

وأخيراً

لم نفهم سر تحديده لأزمنة الفيلم بتلك التواريخ الثلاثة بحيث بدا التحديد مجرد تقسيم زمني لا معنى له وما أكثر الأشياء التي بلا معنى في المسافر!!